إنْ جاءكم خبر في "الواتساب" فتبيَّنوا

صالح البلوشي

تكتسبُ مجموعات الواتساب أهميتها باعتبارها من أهم وأكثر برامج التواصل الاجتماعي انتشارا اليوم، وكذلك بسبب أنها تضم أشخاصا ينتمون إلى أفكار وتوجهات مختلفة واهتمامات متعددة؛ فهناك مثلا مجموعات الحوار الفكري، وأخرى الحوار السياسي، والاقتصادي، والفلسفي، والرياضي...وغيرها. وهناك إضافة إلى ذلك المجموعات العائلية المغلقة تتبادل فيها الأخبار الأسرية مثل: مواعيد الزيارة والعزومات والرحلات...وغيرها. ومن الملاحظ أن مجموعات الواتساب تجاوزت الأفراد البالغين لتشمل أيضا تلاميذ المدراس من الابتدائية إلى الدبلوم العام وطلاب الجامعات أيضا، يتحدَّثون فيها عن همومهم الدراسية والحياتية وأفكارهم الخاصة في جميع شؤون الحياة. هذه المجموعات جميعها تتبادل فيما بينها الأفكار والمعلومات إضافة إلى الأخبار؛ مما جعل بعض المواقع والمجموعات المشبوهة التي تحمل أجندة خاصة تستغل ذلك -لما تتمتع بها هذه المجموعات من سرعة وصول الخبر وانتشاره- في بث ونشر رسائل مسمومة سياسية ودينية وطائفية واقتصادية واجتماعية، وحتى تعطي هذه الأخبار أهمية لكسب ثقة المتلقي؛ فإنها تنسبها إلى بعض وكالات الأنباء المعتمدة والصحف المعروفة مما يعطي المتلقي الثقة في صحة الخبر، فيقوم بدوره بنشر الخبر في مختلف المجموعات التي تقوم بدورها بإرسالها إلى مجموعات أخرى...وهكذا؛ حتى يكون الخبر وصل إلى آلاف المتلقين في بضع دقائق فقط.

ومن المؤسف أن أكثر المستخدمين للواتساب لا يتحرُّون عن دقة الأخبار التي تصل إليهم والتأكد من صحتها، بل يقومون بنشرها مباشرة، وبعضهم يفعل ذلك حتى قبل قراءة الخبر ومعرفة مضمونه؛ لذلك لا تندهش عندما يأتيك خبر واحد عشر مرات في أقل من دقيقة. ونظرا إلى كمية الأخبار غير الصحيحة التي تُنشر في هذه المجموعات؛ أصبح "الواتساب" مرتعا خصبا لترويج ونشر الشائعات والأكاذيب عن الدول والمذاهب والأفراد، من أجل إثارة الفتن في المجتمع وتهديد وحدته الوطنية ونشر خطاب الكراهية بين أفراده، وكثيرا ما تتسبب هذه الأخبار المختلقة/المكذوبة في إثارة التعصب المذهبي والديني بين أفراد المجموعات المختلفة؛ حيث تجد أحيانا شخصا ينشر فتوى مزيفة لأحد العلماء في مذهب آخر فيتصدى له الأفراد المنتمون إلى ذلك المذهب بالتكذيب والاتهام بالطائفية البغيضة حتى يصل الأمر بينهم إلى التكفير أو التشكيك في الولاء الوطني، وأصبحت كثيرا من هذه المجموعات مصدراً للخلاف بين الأعضاء الذي ينعكس أحيانا كثيرا على العلاقة بينهم خارج العالم الافتراضي، وأكبر دليل على ذلك ما حدث في مجموعات الواتساب في الأيام الماضية من نقاشات حادة حول حادثة التدافع التي حدثت في منى أثناء موسم الحج الحالي ونتج عنها وفاة مئات الحجاج من جنسيات مختلفة؛ فقد انقسم الأعضاء ما بين متعاطف مع المملكة العربية السعودية وتحميل الحجاج مسؤولية ما حدث، وبين آخر يرى أن الحادثة نتجت عن تقصير في إجراءات الأمن والسلامة للحجاج. ومن الطريف أن هذا الانقسام الحاد في الآراء حدث في نفس اللحظة التي تم فيها تداول خبر الحادثة في المجموعات الواتسابية، مع أن المتناقشين جميعا هم خارج الحدث وبعيدين عنه، فكيف تسنى لهم التأكد من تحميل هذا الطرف المسؤولية أو ذاك؟ وللأسف فإنَّ جانبَ التعاطف المذهبي كان هو الذي يسيطر على الحوار، وعندما يتأدلج الحوار ويأخذ جانبا مذهبيا فإن الموضوعية تكون هي الضحية.

تعليق عبر الفيس بوك