مرة أخرى.. نَحْن وهُم!

حمود الطوقي

حدَّثتُ نفسي متعجِّبا: ما الذي أصاب أمَّتنا من تراجع على مختلف الصُّعد وفي شتى الميادين؟ سألت نفسي هذا السؤال وأنا هنا في طوكيو؛ حيث أرى ما لا أراه في بلادي العربية المسلمة.. وتساءلت مرة أخرى: هل نحن فعلا من وصفهم القرآن بأننا خير أمة أخرجت للناس؟ هل هذه هي الأمة التي خرجت من صلب الإسلام أم أنهم تبدَّلوا تبديلا؟.. لقد أصبحتْ حالُ أمتنا -للأسف الشديد- تسير بالعكس، تسير صوب الهاوية، رغم أنها تملك في دينها أسمى مقوِّمات النهضة والسؤدد والمجد.

أسئلة تدور في مخيلتي عن واقع حالنا عربًا ومسلمين.. لماذا تأخَّرنا وتقدم غيرنا؟ ماذا جرى لنا؟ ماذا أصابنا؟ أصبحت الكراهية عنوانا، وانتشرت بيننا سموم الفتنة والشقاق والحقد والطائفية، وأصبح البعض يسب ويلعن آخرين من فوق المنابر، التي هي في الأصل معين الأخلاق والسلوكيات.. حتى وصل الأمر بأن نُرِيْق دماءنا بأسلحتنا، وتناسينا أننا ولدنا على فطرة دين الإسلام "ومن قتل مسلما متعمدا فكأنما قتل الناس جميعا".

حال الأمة بات مَدْعاة للرثاء، فباختصار ركَّزنا في مناقشة قضايانا على الأمور التافهة التي لا تُسمن ولا تغني من جوع، أبدعنا في الترويج لخلافاتنا ولو كانت تافهة، وأصبحنا نتلذَّذ عندما نرى الانشقاق بين صفوف المسلمين.. أين نحن من قوله تعالي: "واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفروقوا".

أعود لنفس السؤال: لماذا اتحد الغرب وتفرقنا نحن؟ لماذا نرى دولًا مثل اليابان وكوريا والصين تطوَّرتْ وتقدَّمت، وأصبح يُشار إليها بالبنان، بينما نحن في ذيل الركب؟ لماذا نجد الصفات الحميدة التي يدعو إليها ديننا عند هؤلاء، فيما نفتقر نحن لأدناها؟.. للأسف، هم طبقوا مبادئنا فازدادوا شموخا وتفوقا، ونحن تغافلنا عنها فآل مآلنا إلى ما نحن عليه.. هذا التفوق الغربي لمسته في أسفاري، حيث جُبت على مدار السنوات الأخيرة بلادًا كثيرة، رأيت الأخلاق في بلاد الغرب، لمست لديهم النظام واحترام القوانين والإخلاص في العمل، باختصار: كل تعاليم ديننا في مجال العمل والإنتاجية تطبق عندهم؛ لذا لا نستغرب عندما نرى هذا التفوق منهم، وهذا التخاذل منا.

وإني لأصدُقكم القول بأن ما لمسته من أخلاق هنا في كوريا واليابان، ليدعو إلى احترامهم؛ فهم يستقبلون الضيف بابتسامة ويودعونه بابتسامة، ويعملون بإخلاص وإتقان وتواصل دون تذمر أو كلل.. إضافة إلى التزامهم بالطاعة المطلقة لرب العمل، وهذه الصفات مجتمعة هي ما أهلتهم لتبوُّء تلك المكانة بين مصاف الدول المتقدمة.

.. تُحاصرني الأسئلة مرة أخرى، وتطرق نافذة رأسي: هل بإمكاننا أن نصل إلى ما وصل إليه الغرب من تقدم وتتطور؟ الإجابة جاءت سريعا: "نعم، نستطيع أن نكون مثلهم، بل أفضل منهم، إذا استعدنا أمجادنا، وأحيينا بداخلنا ثوابتنا وتقاليدنا واستغللنا مقوماتنا، وتمسكنا بجذور الأمل بداخلنا، واستذكرنا حينما كنا عظماء، كنا قادة العالم بعلمنا وفكرنا، وبإخلاصنا في أداء واجبنا، واتحادنا صفًّا واحدًا كالبنيان المرصوص، وإحياء مبدأ التسامح.. بهذه الصفات والأخلاقيات فقط ترتقي الأمم.. يقول الشاعر أحمد شوقى : "إنما الأمم الأخلاق ما بقيت، فإن (همو) ذهبتْ أخلاقهم ذهبوا".

تعليق عبر الفيس بوك