أنقذوا أنفسكم من هذا العالم!

ليلى البلوشي

"شيشرون" -خطيب روما- المُميز، فضح في زمن ما الإنسانية المدّعاة في نظرته الخطيرة ورتبهم على وفق مقاماتهم في الحياة ومدى استغلال الآخرين لهم : 1- الفقير: يعمل، 2- الغني: يستغل الرقم 1، 3- الجندي يدافع عن الإثنين، 4- المواطن: يدفع للثلاثة، 5- الكسول: يعتمد على الأربعة، 6 _ السكير يشرب من أجل الخمسة، 7- مدير البنك: يسرق الستة، 8- المحامي: يغش السبعة، 9- الطبيب: يقتل الثمانية، 10 - حفار القبور: يدفن التسعة، 11- رجل السياسة: يعيش من العشرة.. "!

ولعل المعادلة تلتقي بشكل ما مع مقطع من الفيلم المصري "الكيف" 1985م، حيث دار فيه حوار يستدعي الكثير من التأمل والإنصات، الحوار الذي دار بين الممثل جميل راتب والممثل يحيى الفخراني باللهجة المحكية، خاطب فيه الممثل جميل راتب الذي كان تاجر مخدرات ثريّا شخصية الفخراني في الفيلم : "زمان كنت بخش الشاي بنشارة الخشب وأبيعه في بواكي شكلها حلو، مكتوب عليها شاي "أبو الأصول"، كسبت والماركة بقالها اسم وسمعة، وفجأة النشارة غليت والنجارين اتملعنوا، عبينا الشاي من غير نشارة، تعرف حصل إيه؟ اتخرب بيتي وفلست، الزباين طفشت وقالوا عليا غشيت الشاي، مش بقولك مغفلين!"

رد عليه يحيى الفخراني: هم مش مغفلين اللي زيك أفسدوا ذوقهم، عودتوهم على الوحش لغاية ما نسيوا طعم الحلو!.

أجل، أصبح الإنسان في ظل هذه السياسات السائدة في وقتنا الحاضر مجرد رقم، رقم مرهون بمزاجيات السياسيين -أصحاب السيادات- في هذا العالم التي أسقطت في معادلاتها الإنسان، السياسات التي تنتصر لهوى مصالحها العظمى وأطماعها الشخصية على حساب كائنات أخضعوهم وفق هواهم، ترهلت دوافعهم في حياة طموح بعد أن تكالبت عليهم الحياة نفسها بمصاعبها، غدوا مكافحين لترميم جراحات حياتهم اليومية من جوع وفقر ومرض وتشريد، وعلل اجتماعية واقتصادية عويصة، شاغلهم لقمة العيش وإطعام أطفالهم، حتى تناسوا متعة الحياة ولذائذها، أما المطالبة بحقوقهم فأصبحت غاية مستعصية في ظل قوانين تثقل كاهلهم، قوانين ليست في مصلحة أحد سوى أصحاب القوة، قوانين وضعت معظمها لتكميم الأفواه وترهيب الأفراد، في ظل هذه القوانين التي لا تطبق سوى على الإنسان البسيط، مهيض الجناحين، مسحوق الحقوق تمامًا، أما الثري فيجد ثغرة يفرّ منها أبدًا، والمشكلة ليست في اكتشاف الفساد والاعتراف به، فهذا مفروغ منه، بل المشكلة أن هذا الفساد نفسه يتفشى بجبروت دون أن يجسر أحد على إيقافه؛ لأنّ كل من رفع صوت ضميره أمام هذا الفساد المهول طُعن برمّح الغدر، ولوحق بالمؤامرة، والأجندة، من جهلة الوطن، الذين يعتقدون بأنّهم وحدهم من لهم الحق فيه، المخدوعون الذين يظنون أنّ نقد مساوئ الفساد هو طعن في الوطن، السُّذج الذين قدّسوا السلطات وأسقطوا مصلحة الأوطان؛ وبسبب هؤلاء يمضي الفساد شاقاً دروبه في كل الأصقاع بلا مواربة بل بكل وقاحة وجبروت، بينما تحبس العقول التي عصت، وتُعذّب الأجساد التي قاومت بشرف وجسارة من أجل مصلحة الوطن!.

هناك من يعيش حتمًا على أعناق هؤلاء المرعوبين، الجوعى، المساكين، الذين لا صوت لهم، الذين وجدوا في السكوت ضمانًا لئلا يسحقهم جلادو السلطة، أولئك الذين يعيثون فساداً في الأرض، يعيشون على حساب الجثث التي تتراكم كل لحظة أضعافاً مضاعفة، تتراكم هذه الجثث وبالقدر نفسه يتراكم الوجع في قلوب أمهاتهم الثكلى، وجع مرّ، كبركان يكوي الأفئدة، أوجاع لم تجد عزاءها أبدًا.

تتراكم الجثث كما تتراكم مصائب الحزانى، بينما أولئك الجشعون، أصحاب السياسات، يراكمون المليارات، وعلى جيف تلك الجثث التي ينهشونها تتضاعف ثرواتهم يوماً بعد يوم حد التجشُّؤ!

نعم، نعم، في السياسة الإنسان خاسر أبدًا؛ لأنّه ضريبة السياسيين الأغبياء، الأنانيين، المستبدين، المتعجرفين، الحمقى -بلا شك - عديمي الضمير والوجدان!

Ghima333@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك