حربٌ ضد الطبيعة

أسماء القطيبي

قبل أكثر من أربع سنوات اندلعت الحرب في سوريا، قُتل خلالها ما لا يقل عن 250 ألف شخص، وشُرِّد ملايين الناس من مناطقهم إلى المجهول، وبنفس العنف والوحشية التي اغتالت فيها الحرب الإنسانية، دمرت كل مظاهر الحياة في البلاد. تلك التي كانت يومًا ما قبلة للسياح من كل دول العالم لجمال طبيعتها واعتدال مناخها. ورغم قلة الإحصائيات الصادرة عن المنظمات الدولية حول الخسائر البيئية والكوارث التي أحدثها الصراع، إلا أنَّ هناك بعضَ الأخبار الصادمة والتي تكفي لرفع مستوى الخطر إلى اللون الأحمر. فقبل أيام مثلا، طلبتْ سوريا سحب 130 صندوق من البذور المنوعة التي تخزنها في قبو سفالبارد العالمي للبذور (المعروف بقبو سفينة نوح)، وهو المكان الذي تدَّخر فيه غالب دول العالم البذور التي تنتج في أراضيها لاسترجاعها في الأزمات. وذلك لتعوض ما فقد من بنك الجينات في سوريا الذي لم يعد يستطيع تأمين بذور كافية في ظل أزمة الجفاف التي يشهدها ريف سوريا، وبعد حرق مزارع القمح في الغوطة الشرقية ودرعا.

حرق الغابات هي الأخرى إحدى المشكلات التي تواجهها سوريا؛ فبحسب المدير الإداري للمجلس المحلي باللاذقية فإنَّ 70% من الغابات في المنطقة أُحرِقت على يد أطراف النزاع بهدف كشف مناطق المواجهات ومنع العدو من الاحتماء بها والاختباء فيها. أما الغابات التي لا تزال بمنأى عن الحرق فهي تتعرض للاحتطاب غير المنظم؛ حيث اصبحت تجارة الحطب التي تديرها الميليشيات تجارة رائجة خاصة بعد زيادة الإقبال عليها من الناس للتدفئة في الشتاء، والطبخ، بفعل الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي ولفترات طويلة. هذا التصرف العشوائي ينذر بانخفاض مساحات الغابات؛ وبالتالي قلة الغطاء الأخضر الذي يحمي المناطق التي تليه من الظواهر البيئية العنيفة.

وتملكُ سوريا وحدها ما مجموعه سبعة وسبعون جزيرة داخل نهر الفرات (تعرف بالجوانح البحرية)، تحوي على مجموعة كبيرة من الطيور والحيوانات النادرة. ومن أبرزها الخيول العربية الأصلية، والتي كانت قبل الحرب تخضع لرقابة مشددة بحيث لا يسمح بالاتجار بها باعتبارها ثروة وطنية. أما بعد تردي الأوضاع وانعدام الرقابة، فقد تمَّ بيع أعداد كبيرة منها في السوق السوداء للمهتمين. ولعل ما بقي منها لا يلقى الاهتمام الذي ينبغي له؛ فمثل هذا الأمر في وقت يهلك فيه الحرث والنسل ترفٌ في غير أوانه.

الآثار -باعتبارها جزءًا من طبيعة الأرض، وتاريخها الناطق- لم تسلم هي الأخرى من التخريب والتدمير على يد المسلحين؛ فقد تمَّ قصف 50% من بيوت حلب القديمة إلى الآن -حسب ما ذكرت منظمات مختصة- وتمَّ تهريب الآلاف القطع الأثرية التي يعود تاريخ بعضها إلى عصور ما قبل الميلاد، لتستخدم كأثاث وتحف تزين به قصور الأثرياء. أما المنحوتات والتماثيل، فقد قامت بعض الجماعات المتطرفة بتدميرها بحجة انها أصنام في بلاد الأسلام، ولك أن تتخيل ما كانت تحكيه تلك التماثيل من قصص وأخبار تعمق جذور الإنسان في أرضه، لتُفقد إلى الأبد.

... إنَّ الكوارث البيئية الحاصلة في سوريا...وغيرها من بلداننا العربية كالعراق وفلسطين واليمن، لن يكون ضررها حكرا على تلك الدول، بل سيمتد إلى البلدان المجاورة، مُسببا عواصف رملية سببها انكشاف الغطاء النباتي، وتسمُّم في الأرض والماء سببه عدم تحلل مواد الذخيرة. وإشعاعات وتلوث بكافة أنواعه. أما الخطر الأعظم، فهو أن تأتي هذه الحروب بأمراض وأوبئة لم يعرفها الطب سابقا، لتشارك هي الأخرى في احتفالية الدم المسفوك.

إنَّها الحربُ لا تعرف حدودا جغرافية، ولا تكترث بأطراف النزاع وأسبابها، فهي تعادي كل خّير وجميل؛ لذا يقال إنَّ ما من رابح في الحرب، وإنما هناك طرف يخرج بخسائر أقل فداحة من الطرف الآخر فحسب. وهناك صائدو الفرص الذين يجدون في تدهور الأوضاع فرصتهم للثراء السريع دون عناء. وأولئك الذين لا يتمنون انتهاء الحرب لأن في بقائها بقائهم، وبزوالها ينكشف جانبهم المظلم. وفي حرب سوريا يبدو صاحب الأرض هو الأكثر خسارة حين أجبر على ترك أرضه بمزارعها وانهارها ليهاجر مضطرا إلى بلدان أخرى؛ فيستولي عليها أصحاب المصالح الذين لا يفقهون إلا لغة الدم والدمار في حرب لا يعرف أحد متى بدأت ومتى ستنتهي.

Asmaalqutibi@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك