سحر الواقع: كيف نعرف حقيقة الواقع؟

نوف السعيديَّة

يأتي هذا الكتاب كمقدمة للعلوم. فهو موضوع بشكل بسيط وتسلسل منطقي واضح يمكّن القارئ من هضم مادته المعرفية أيا كانت خلفيته الثقافية.

يجيب الكتاب عن أسئلة مثل: ما الواقع؟ من كان الإنسان الأول؟ لماذا يوجد عدد بالغ الكثرة من الحيوانات المختلفة؟ مِمَّ تتكون الأشياء؟ لماذا الليل والنهار، الشتاء والصيف؟ ما الشمس؟ ما قوس قزح؟ متى وكيف بدأ كل شيء؟ هل نحن بمفردنا؟ ما الزلزال؟ لماذا تحدث أشياء ضارة؟ ما المعجزة؟

الأمر الذي لم يعجبني في الكتاب هو لغة خطاب دوكنز المعتدة بالعلم؛ فهو يتحدث عن "الحقيقة المؤكدة" أو "هذا مدهش لأنه حقيقي"، مستهينا في كثير من الأحيان بمعتقدات الناس مشيرا لها بأنها "من السخف بما لا يخفى" أو "هل تستطيع أن ترى إلى أي حد وصل هذا الهراء" بالرغم من أنه -والحق يُقال- من التواضع بحيث يعترف بجهله تجاه كثير من المواضيع، وقد أشار في أكثر من مناسبة عبر الكتاب إلى أشياء "لست على يقين تماما من فهمي أنا نفسي لها".

وشخصيًّا.. أظن أن أدوات المعرفة كثيرة وما العلم إلا إحدى هذه الأدوات. وإن كان ثمة أشياء لا نفهمها، وأسئلة لا نستطيع جوابها فهذه أدْعَى لأن لا نعتد بما يتوفر لدينا الآن من حقائق لأن كل ما نملكه من معرفة لن يعود ذا قيمة بعد زمن. والإيمان (بأي شيء) وُجد مذ وجد الإنسان وهو أمر لا يمكن للعلم (وليس هذا من اختصاصه أيضا) أن يُناقش مشروعيته. وكما يُقال: "من آمن بحجر كفاه" (يُنسب للنبي محمد، ويُقال إنه من حِكم العرب).

وبعيدا عن كل ذلك، سأقف عند بعض النقاط المثيرة التي بحثها كتاب "سحر الواقع".

محدودية الإنسان

إحدى الأفكار المثيرة والتي تحدث عنها دوكنز في أكثر من مناسبة هي محدودية قدرات الإنسان الإدراكية؛ فالإنسان قادر على سماع الأصوات التي تقع ضمن مدى معين من الترددات (أو الطول الموجي). والأمر ينطبق على قدرتنا البصرية؛ حيث بالإمكان رؤية الألوان ضمن نطاق محدود من الأطوال الموجية. فيما بعض الحيوانات الأخرى قادرة على إدراك الأصوات والألوان التي لا ندركها. لكننا كبشر نستعين بالتقنية لدعم أدواتنا القاصرة بطبيعتها. لذلك وجد التلسكوب والمايكروسكوب، ووجدت آليات لترجمة الأصوات والألوان التي لا ندركها إلى شيء آخر يمكن إدراكه.

هذا يعود بنا للسؤال الأول "ما هو الواقع؟" هل هو ما تستطيع اختباره حواسنا؟ يمكن اختصار رأي دوكنز في أن وجود الشيء يُثبت عبر حواس الإدرك و ما يُدعمها من أدوات، أو بالأدلة التي توضح أثره، وتحدد ماهيته.

السبب والغاية

يُفرِّق الكاتب بين أمرين يُخلَط بينهما في كثير من الأحيان هما السبب والغاية، فيقول: "أحيانا يقول الناس "كل ما يحدث وراءه سبب معلوم". وبمعنى ما فذلك حقيقي. فكل ما يحدث له سبب معين -أي أنَّ الأحداث لها أسباب، والسبب يأتي دائما قبل الحدث. فقد حدثت أعاصير تسونامي بسبب وقوع زلازل تحت سطح البحر... ذلك هو المعنى الحقيقي الذي به "كل شيء يحدث لسبب ما".. لكن الناس أحيانا يستخدمون "السبب" بمعنى مختلف تماما والمقصود منه شيء ما يشبه "الغرض".

الصدفة والضرورة

هما الكلمتان اللتان تختصران التاريخ التطوري للكائنات على الأرض. فالصدفة قد تعني انفصال جماعة وانتقالها لبيئة جديدة معزولة؛ الأمر الذي قد يؤدي -على المدى الطويل- لنشوء نوع جديد. الصدفة قد تعني أيضا ظهور الطفرات الجينية وفي حال كانت الطفرة "مفيدة" يتم تكريسها في الأجيال اللاحقة.

أماالضرورة، فتؤدي لابتكار وسائل تكيف يترتب عليها تغيير في سلوكيات النوع، أو في شكله. ضمن سلسلة "الأغرب في العالم WORLD'S WEIRDEST" التي تعرض على قناة نات جيو وايلد كانت إحدى الحلقات وهي بعنوان "المتحولات MUTANTS" تستعرض وسائل التكيف الغريبة لدى بعض الكائنات: كعودة ضفادع ألاسكا للحياة بعد أن تتجمد وتتوقف أعضائها عن العمل طوال فترة الشتاء، بما في ذلك توقف القلب عن الخفقان، مما يعدها ميتة في العرف الطبي. أو تغيير نوع من الحلزونات عاداته الغذائية وتحوله إلى لاحم يأكل الديدان بعد أن كان عاشبا، مما أدى لزيادة ملحوظة في حجمه. أما صغير القرش ولأنه مطالب بأن يكون بحجم معين عند الولادة -حتى لا يكون فريسة الأسماك الأخرى- فأول ما يفعله عند خروجه من بيضته -والتي تفقس في رحم الأم بالمناسبة- هو الانقضاض على إخوته.

-----------------

المؤلف: ريتشارد دوكنز.

ترجمة: عنان علي الشهاوي.

الناشر: التنوير للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 2013.

التصنيف: علوم.

تعليق عبر الفيس بوك