وأذِّن في الناس بالحج

خلفان العاصمي

يقفُ حجاج بيت الله الحرام يوم الغد على صعيد عرفة الطاهر، في مشهد روحاني لواحد من أهم أركان الحج، وفي يوم هو من أفضل أيام المسلمين، في حين يعيش العالم الإسلامي بمختلف دوله تفاصيل الحج الأكبر، محتفلا ومبتهجا بعيد الأضحى المبارك، في لوحة إنسانية تتجلى فيها مظاهر الفرح وتعابيره أيًّا كانت بساطتها، متناسيا كل ما تعيشه الأمة الإسلامية من صراعات وخلافات لا تزال تعصف بالكثير من الأمنيات والأحلام في تحقيق السعادة والعيش الآمن والمستقر، ولكن مع كل هذه السوداوية في مشهد العالم الإسلامي، إلا أنَّ المناسبات الدينية وما يصاحبها من احتفالات تبقى هي الهدنة التي يمنحها الفرد لنفسه ولمن هم حوله متناسيا كل شيء من الممكن أن يعكر صفو ذلك، مستغلا هذه اللحظات ليشحن بها طاقته الإيجابية، ومع هذه الأيام المباركة التي نحتفل بها كعمانيين بخصوصية متفردة في مختلف تفاصيل العيد والذي هو واجب ديني مؤطر بإرث ثقافي يحمل الكثير من الممارسات التي تضيف للعيد بعدا جماليا آخر.

ومع أيام العيد وفي ذروة حج بيت الله الأكبر، أستحضر في هذا المقال بشيء من الرؤية الشخصية قضية الحجاج العمانيين العالقين على المنافذ الحدودية بين دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية الشقيقتين، وهي القضية الأبرز في موسم حج هذا العام؛ حيث ما حدث هو الأول من نوعه بهذا الحجم وبهذا الكم من الذين نووا الحج ولم يوفقوا، وبالرغم من أنَّ الكثير من الزملاء قد كتبوا عن هذا الموضوع، وتم تناوله بأكثر من طرح، إلا أنه يبقى موضوعا مهمًّا يجب أن يُلتفت له من قبل أعلى المستويات المعنية عن شؤون الحج في السلطنة، ويجب أن نحرص على أنَّ ما حدث لن يتكرر؛ فالذي حدث ليس مجرد أناس نووا الحج ومُنعوا من الدخول إلى دولة الحج، فرابطوا عند حدودها بحلهم وحليلهم؛ ليشكلوا مشهدا ما أسرع أن تناقلته وسائل الإعلام بشتى أنواعها التقليدية والحديثة؛ لتصل للجميع بأن هناك مشكلة أيًّا كان نوعها: سوء إدارة، نصب، استغلال، أيًّا كانت، ولكن هي مشكلة ربطت بالسلطنة بغض النظر عن من هو المتسبب فيها، والذي يجب أن نبحث عنه ويُحاسب؛ فالقضية أصابت الجميع وأولهم الجهة المعنية عن الحج في السلطنة، والتي وجدت نفسها في موقف حرج؛ حيث إنَّ العدد ليس بالهين، فقد قارب أو زاد على الثلاثة آلاف شخص وبأعداد من الحافلات بأحجامها المختلفة قطعت مئات الكيلومترات، وعبرت الحدود العمانية لتصل إلى الحدود الأخرى؛ وبالتالي تحدث البعض عن أهمية التنسيق بين الجهات المعنية لتفادي ما حدث أو على أقل تقدير توضيح الصورة لهم قبل عبورهم للحدود العمانية، ولقد تعاطف المجتمع مع المتضررين تارة وحمل بعضهم المسؤولية فيما قاموا به من التسجيل في الحملات الرخيصة والتي هي غير قانونية تارة أخرى، وكذلك المتضررون أنفسهم الذين بيَّتوا نية الحج واستعدوا وتجهزوا وودعوا؛ حيث طالعتنا وسائل الإعلام المختلفة بقصص رواها بعض المتضررين تحكي الأثر النفسي والمادي الذي أصابهم، وكيف كان حج هذا العام هو الأنسب لهم من حيث القدرة والاستعداد المادي والجسدي، إلا أنهم أصيبوا بخيبة أمل لا يعرفون مَنْ السبب وراءها .. وهنا تبرز الحاجة إلى وجود آلية واضحة وسهلة لتسهيل إجراءات تسجيل الحجاج من خلال وجود منصة إلكترونية تتيح لمن يرغب بأداء فريضة الحج أن يقوم بذلك بنفسه مع توضيح الإجراءات التي عليه القيام بها، والعمل على ذلك مبكرا، وعدم تسليم الأمر بالكامل لمقاولي الحج الذين تحدث عنهم البعض بأنهم بالغوا في الأسعار والتي وصلت لأضعاف ما كانت عليه قبل فترة ليست بالبعيدة في ظل نفس الخدمات الأساسية التي تقدم لهم مما جعل البعض يبحث عن حملات ارخص ولم يجدوا إلا بعضَ الحملات الوهمية وبها الكثير من المراوغة في عملية التسجيل والحصول على تصريح الحج القانوني المعتمد من المملكة العربية السعودية.

ومن نواتج تفاعل المجتمع مع هذه القضية والرغبة في وجود آلية لتفاديها مستقبلا؛ فقد اشتغل مجموعة من المتسابقين في مسابقة "ساس 48"، والتي نظمتها هيئة تقنية المعلومات -ممثلة في مركز ساس لريادة الأعمال- نهاية الأسبوع الماضي، واستهدفت طلاب الجامعات والباحثين عن عمل والموظفين ومن لديهم الهواية في مجال تطوير تطبيقات الهواتف الذكية والمواقع الإلكترونية على تطبيق للهواتف الذكية أطلقوا عليه اسم "تيسير" وهو عبارة عن منصة لحملات الحج المعتمدة من وزارة الأوقاف والشؤون الدينية يمكِّن المستخدم للبحث عن أفضل الحملات والتسجيل فيها إلكترونيا، ومن هنا أدعو الوزارة إلى أن تتبنى هذه الفكرة، وتسهم مع الشباب في تطويرها واعتمادها متى ما رأت أنها محققة لكافة الجوانب التي تكفل تسجيل الحجاج بطريقة ميسرة.

تعليق عبر الفيس بوك