المحاصصة الأمريكية – الروسية الشرق أوسطية

عبيدلي العبيدلي

نشر موقع "عربي21"، تقريرًا مكثفًا لخص فيه باسل درويش، ما كشف عنه أحد محرري صحيفة "فايننشال تايمز" جيف داير، من أنّ "قائد قيادة الجيش الأمريكي المركزية الجنرال لويد أوستين أخبر مجلس الشيوخ أنّ البنتاغون لا يزال يحاول تقييم الأهداف الإستراتيجية وراء تكثيف الوجود العسكري الروسي في سوريا، (مضيفا) أنّ هذا التدخل الروسي يأتي في وقت تتعثر فيه خطط الولايات المتحدة لبناء قوة عسكرية تقاتل الجهاديين في سوريا. كما يأتي في وقت يحتدم فيه الجدل في البيت الأبيض إن كان الرئيس الأمريكي باراك أوباما سيقابل بوتين خلال زيارته للأمم المتحدة نهاية الشهر، حيث قد ينهي هذا اللقاء، إن تم، سنة من القطيعة بسبب أوكرانيا، ويجعل الرئيس الروسي يبدو أقل عزلة. وتختم (الصحيفة) تقريرها بالإشارة إلى أنه عند سؤال الجنرال أوستين إن كان الضباط تحت إمرته قاموا (بتحلية) التقارير الاستخباراتية في الحملة على تنظيم الدولة، أجاب أوستين: بالتأكيد لا. ويلفت التقرير، إلى أنّ وزير الخارجية جون كيري قال إنّ إدارة أوباما تدرس مقترحًا روسيا بحوار عسكري مباشر مع أمريكا حول الصراع في سوريا. لافتا إلى أنّ الهدف من المحادثات هو نزع فتيل الخلاف بخصوص أي مخاطر محتملة، وحتى يكون هناك فهم واضح وكامل للطريق.

ويزخر التقرير بالكثير من الإشارات الدالة على أنّ صفقة على وشك أن تعقد بين واشنطن وموسكو بشأن اقتسام غنائم مبني على نتائج الأحداث التي عرفتها المنطقة العربية خلال السنوات الخمس الماضية، بما في ذلك التدخل العسكري الخارجي من أطراف متعددة، ومحاولة تنسيق علاقاتها تجاه الشرق الأوسط رغم الكثير من التناقض في المصالح التي يشوبها.

ويكتسب ما جاء في التقرير أهميته، كونه يأتي في ظل الظروف الحالية التي تمر بها المنطقة، والتي تأتي كمحصلة طبيعية للتطورات التي عرفتها، تستجيب لها التصريحات التالية:

1. تصريح الناطق باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، قائلا "إنّ روسيا مستعدة لإرسال قوات برية إلى سوريا إذا طلب الرئيس بشار الأسد، ذلك.

2. تأكيد روسيا بأنها "أرسلت مدفعية وسبع دبابات إلى قاعدة جوية في سوريا كجزء من تعزيزاتها العسكرية في هذا البلد الذي تمزقه الحرب".وكشف تقرير صادر عن وكالة أنباء رويترز، "نشر روسيا نحو 200 من مشاة البحرية في المطار، وكذلك وحدات إسكان مؤقتة ومحطة متنقلة للمراقبة الجوية، ومكونات لمنظومة للدفاع الجوي".

3. الاتصال الهاتفي الذي أجرى بين وزير الدفاع الأمريكي أشتون كارتر، مع نظيره الروسي بشأن التحضير لمحادثات عسكرية مباشرة، وكونه "أول اتصال بين قادة الدفاع الأمريكي والروسي منذ ما يزيد على العام، منذ غزو روسيا وضمها لشبه جزيرة القرم الأوكرانية". كما أبدى كارتر فيها "قلق الولايات المتحدة إزاء تدخل روسيا في حملة التحالف الذي تقوده أمريكا ضد مسلحي (داعش) في سوريا".

4. مسارعة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إلى التأكيد على أنّ "الرئيس باراك أوباما يعتقد أنّ إجراء محادثات عسكرية مع روسيا بشأن سوريا يمثل خطوة مهمة ويأمل أن تجري في أقرب وقت". وينبغي هنا التوقف إلى تشديد كيري على أنّ "الهدف هو التوصل إلى فهم واضح وكامل لنوايا موسكو حتى يتم تفادي سوء التفاهم والحسابات الخاطئة (منوّها إلى أنّ واشنطن) بصدد دراسة العرض الروسي". ثمّ هناك إشارة كيري، إلى أنّه "إذا كان الروس مستعدين للعمل معنا ومع 60 دولة من الدول التي يتألف منها الائتلاف، فستكون هناك إمكانية للتوصل إلى اتفاق انتقالي سياسي في سوريا".

5. ما نقلته وكالة الإعلام الروسية عن وزارة الدفاع في موسكو من تلميحات إلى أنّ "المحادثات مع الولايات المتحدة بشأن سوريا تظهر أنّ هناك التقاء في وجهات النظر بين البلدين بشأن معظم الموضوعات التي نوقشت".

6. تصريح المتحدث باسم البيت الأبيض جوش إرنست الذي أكد فيها على "أن واشنطن مستعدة لعقد محادثات عسكرية مع روسيا لدعم التحالف ضد تنظيم (داعش)".

7. ردة الفعل الروسية السريعة الإيجابية للدعوة الأمريكية للقاء "يحصر في بحث عزم الروس على المشاركة المباشرة في المعارك التي تدور فوق الأراضي السورية بين نظام الأسد وقوات (داعش)"، والذي جاء على لسان المتحدثة باسم الوزارة ماريا زاخاروفا، التي أكدت استعداد موسكو "لإجراء محادثات مع أمريكا بشأن سوريا، (منوهة إلى أن موسكو) لم ترفض الحوار مع الولايات المتحدة مطلقا... وأنها منفتحة على (الحوار) الآن بشأن كل المسائل محل الاهتمام المشترك بما في ذلك سوريا".

8. صفقة السلاح الروسية الأخيرة التي وقعتها مصر مع روسيا، كخطوة "للخروج من احتكار أمريكا لتسليح الجيش المصري"، وهو ما رأى فيه بعض المحللين "تأكيد مصري على التعاون والشراكة مع روسيا". ازداد الأمر سوءا من وجهة النظر الأمريكية، إقدام الرياض على توقيع صفقة تسلح، بغض النظر عن حجمها ونوعية الأسلحة التي تشملها، لكنها، تعكس في جوهرها نوعًا من الاعتراف السعودي بالرقم الروسي الذي أصبح صعبًا في معادلة ترتيب الأوضاع في الشرق الأوسط، ومحاولة لنقل الشعور السعودي بالامتعاض الخجول من مجمل السياسة الأمريكية في المنطقة، وتلويح مبطن بإمكانيّة بدء علاقات محدودة، ومحسوبة في تطوير علاقات التعاون العسكري مع موسكو، وهو ما تصنفه واشنطن في خانة الخطوط الحمراء.

كل هذه التصريحات وأخرى غيرها تؤكد على أنّ ثمار ما جرى على ساحة الشرق من أحداث قد أينعت وحان قطافها، وأنّ التلميحات الروسيّة - الأمريكية المتبادلة بشأن الرغبة في اللقاء، إنّما هي المرحلة الأخيرة من ذلك المشوار المعقد والمكلف لبلدان المنطقة. كما أنّ الخلافات في المصالح التي لا بد وأن تطفو على السطح، ستكون ثانوية ولن تعيق مثل ذلك الاتفاق، فالكعكة كبيرة وتكفي لتقاسم الحصص.

منطقة الشرق الأوسط مقدمة على محاصصة دولية، وأكثر ما يحز في النفس أنّ البدان العربية هي القوة الإقليمية الوحيدة المغيّبة، فقد فرضت كل من إيران وتركيا والكيان الصهيوني وجودها في معادلات تلك المحاصصة.

تعليق عبر الفيس بوك