العبري: التعليم قبل النهضة المباركة لم يكن نظاميًا.. والطفرة التي حققتها السلطنة لم تكن سهلة

يكتب الشعر منذ بلغ الأربعين ويطمح إلى جمع أعماله في ديوان مطبوع

عبري - ناصر العبري

قرض الشيخ غصن بن هلال بن محمد العبري الشعر بعد أن بلغ الأربعين من عمره، لذلك لا يلقب نفسه بالشاعر، وإن بادر إلى ذلك الكثير من محبيه ومتابعي نشاطه الثقافي. وفي حواره مع "الرؤية" حول مسيرته العملية وذكرياته عن طبيعة الحياة في السلطنة قبل وبعد النهضة المباركة، أوضح العبري أنه عمل لسنتين في وزارة التربية والتعليم والتحق بوزارة الداخلية نائب والي لمدة 18 سنة، وعمل واليا لمدة 14 سنة، مشيرا إلى أنّ التعليم في مرحلة ما قبل النهضة لم يكن تعليمًا عصريًا نظاميا، بينما اختلفت الأوضاع التعليمية والحياتية بشكل عام في السلطنة مع بزوغ فجر النهضة.

وعن أهم المحطات في حياة الشيخ غصن بن هلال العبري، قال إنّ الحديث عن المحطات في مشوار شخص بلغ الستين من عمره ليست بالأمر السهل، لكن يمكن القول إنّ أهم محطة ليست في حياتي فحسب بل في حياة العمانيين أجمعهم هي يوم تولي جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم حفظه الله وعافاه في الثالث والعشرين من يوليو المجيد عام 1970 لأنّ الحديث عما قبل ذلك اليوم يختلف عما بعده. أمّا ولادتي فكانت على التاريخ الهجري يوم العشرين من شوال من عام 1372 هـ في مدينة العراقي من ولاية عبري من محافظة الظاهرة، في حين كانت نشأتي في ولاية الحمراء من محافظة الداخلية نتيجة انتقال أسرتي إلى هناك.

وأضاف العبري: غني عن القول أنّ التعليم في فترة طفولتي كان مقتصرا على تعليم القرآن وبعض من الكتب المتعلقة بالنحو والعبادات وكان حظي منها كسائر الأطفال والفتيان الذين هم من سني وعن علاقته بالمدرسة والمعلمين، ولم يكن التعليم في مرحلة ما قبل السبعين تعليمًا عصريًا نظاميًا، وحين أطل على عمان فجر النهضة كان عمري يقارب الثمانية عشر عامًا ولم أتمكن من الالتحاق بالمدارس العصرية كون النظام فيها لا يقبل من عمره أكثر من عشر سنوات، لذلك بقيت فترة ما يقارب أربع سنوات أن لم يكن أكثر محرومًا من التعليم إلى أن بدأت مراكز تعليم الكبار ومحو الأمية تفتح أبوابها فنلت من التعليم العصري مرحلتي الإعدادية والثانوية ثم انشغلت بتربية الأولاد والوظيفة.

وعن طبيعة الحياة قبل بزوغ فجر النهضة المباركة، قال الأديب الشيخ غصن العبري: كانت حياة العمانيين قبل السبعين حياة شظف وضنك وفقر وجهل حياة بلا أفق ولا آمال ولا تطلعات، وكانت عمان تعيش في سبات عميق إلى الحد الذي كاد فيها الإنسان يفتقد معنى الانتماء نتيجة القلق والخوف من المجهول.

وحول رؤيته للحظة التغيير في عمان يوم 23 يوليو، قال العبري: كنت أبلغ من العمر ثمانية عشر عامًا، إلا أنه ونتيجة لسنين طوال عشتها من غير طموح ولا معرفة بوجود حياة مختلفة حاصرتني مشاعر غريبة وأسئلة من نوعية: هل التغيير في الحكم سيتبعه تغيير في نمط الحياة؟ وهل يستحق ذلك التغيير الثمن الذي دفع من أجله؟ وهل سيطال التغيير عمان كلها أم سيقتصر على مسقط؟ لأنني كنت قد عرفت مسقط بزيارتي لها منتصف الستينيات.

وعن مشقة السفر والطريق إلى مسقط والوقت الذي كانت تستغرق الرحلة من ولاية الحمراء إلى مسقط في حينها، قال العبري: زرت مسقط منتصف الستينيات وآخرها ولا أنسي المشقة التي كابدتها خلال تلك الرحلات، فمن حيث الزمن تستغرق الرحلة اثني عشر ساعة من غير توقف ولهذا لابد من مبيت ليلة في الطريق. ومن حيث الشارع الذي تسلكه السيارات يمكنني القول إنّه لاشيء على الإطلاق سوى ما تتركه "كفرات السيارات" من أثر يدل على مسار الطريق. ومن حيث نوع السيارات فهي شاحنات وليست للركاب بل للبضائع والركاب يأتون فوق البضائع وكثير من الأحيان كان يسقط بعض الركاب من على السيارة، فيما السيارات نفسها تكون من مخلفات الجيش وصلاحيتها شبه منتهية.
وعن الصعوبات التي كانت تواجههم للتنقل بين مختلف المناطق ومسقط، أضاف الشيخ غصن: هناك صعوبات جمة ليس أقلها نقاط تفتيش مراكز الجيش، فمثلا نحن من ولاية الحمراء وإن أردنا الوصول إلى مسقط نمر في طريقنا على مركز بلاد سيت ومركز سعال في نزوى ومركز في ازكي ومركز رابع في بدبد، ومع كل مركز يتم إنزال الشحنة، وقبل دخولنا إلى مطرح تواجهنا فرضة روي وهي التي تأخذ الرسوم عن البضائع التي تدخل مطرح، ولو كانت غرشة من سمن أو عسل لابد لها من عشور، والعشور يعني الضريبة التي تصل إلى عشرة بالمائة من قيمة البضاعة. وسمعت أنّ السيّارة كانت لا تخرج من مطرح إلى داخل عمان إلا بتصريح، فلا تغادر إي سيارة من مطرح إلا بإباحة يذكر فيها تفاصيل الحمولة وعدد الركاب بالاسم وأين تتجه السيارة وأين سينزل الركاب.

وأضاف العبري: أذكر أنني احتجت العودة من مسقط إلى الداخلية فوجدت الإباحة قد تم ختمها ولم يعد بالإمكان إلحاقي بركابها فتوسلت إلى سائق السيارة فقال لا نستطيع الانتظار إلى الغد ولكن إن كنت تستطيع الاختباء بين براميل الديزل إلى أن تجاوز نقطة التفتيش فما عندي مانع، فركبت وأخفيت نفسي تحت البراميل، وكنت اسمع السائق يتحدث مع المفتش ويقول له كم عندك من الركاب فيجيب السائق بالعدد الموجود بالإباحة فيقول له ما ركبت أحد فوق الحمولة؟ وأنا ارتجف بين البراميل خوفا من المفتش وإرهاقا من شدة حرارة الجو.
وعن علاقته بالشعر، قال العبري: إن علاقتي بالشعر جديدة قديمة رغم أنني لم أتطرق لقول الشعر إلا بعد الأربعين من عمري لكنني كنت أشعر بأنني في حاجة للتعبير عمّا في داخلي بل كنت أتحدث إلى الجمادات والماء وما يحمل معه أوراق الشجار ومخلفات النخيل وكنت أشجع بعضها على بعض، وعموما فإنني رغم ذلك لا أعد نفسي شاعرا وإن وسمني بذلك البعض دون تمحيص لحقيقة ما أقول في بعض المحاولات. وأرجو أن أوفق يوما في إخراجها في ديوان مطبوع.

وحول الرسالة التي يوجهها إلى جيل الشباب، قال العبري: رسالتي للشباب ما سمعوه وما قرأوه عني، لقد تعمدت الاستفاضة في سرد المشقة التي عاشها الوطن قبل السبعين ليستذكر من كان ناسيًا ويتعلم من كان جاهلا أن المستوى الذي وصلت إليه عمان الحاضر كان ثمنه باهظ التكاليف ولم تصل إليه بسهولة، لقد تنازل آباؤهم عن رفاهية العيش ليربوهم ويعلموهم فيما سخرت الدولة للشباب خاصة وللشعب عامة الخدمات الكفيلة برفع مستوى معيشتهم، وعليهم الآن تقع مسؤولية الحفاظ على المكتسبات ودفع عجلة التقدم، وألفت نظر الشباب إلى توخي الحذر في الطرقات للحد من حوادث السير التي باتت تحصد أرواح الشباب الذين هم الثروة الحقيقية لأسرهم ووطنهم، وعليهم أن يستشعروا حرقة قلوب من فقد ابنا آو أخا أو أبا أو زوجا.

واختتم العبري بالإشارة إلى كيفية قضاء أيامه في التقاعد، فقال إنّه لا يعد خروجه من وظيفته الحكومية تقاعدًا بل هو مكرمة من الوطن والقائد بعد سنوات زادت على اثنين وثلاثين عاما من العمل، أمّا الحياة فلا يوجد بها تقاعد بل آمال متجددة، والدليل على ذلك زيادة تفاعلي ونشاطي بعد ترك الوظيفة خاصة في المجال الثقافي.

تعليق عبر الفيس بوك