التانغو الإيراني -الأمريكي في أعقاب الاتفاق النووي

عبيدلي العبيدلي

نقلاً عن مصادر وكالة أنباء "تاس" الروسية، "أفاد مصدر دبلوماسي بأنه قد يتم إلغاء عدة إجراءات مراقبة إضافية على برنامج إيران النووي بعد عامين أو ثلاثة من تنفيذها، (مضيفا الدبلوماسي من أحد وفود السداسية) على هامش المؤتمر العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية الإثنين 14 سبتمبر في فيينا، إذا نفذت إيران التزاماتها وأصبح لدى المجتمع الدولي قناعة بجدية إيران في تنفيذها، فقد تلغى عدة آليات (مراقبة) زائدة، (مشيرًا) إلى أنّ الحديث يدور حول الآليات الخارجة عن نطاق مطالب البروتوكول الإضافي للاتفاق الخاص بضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والذي يشمل السماح للمفتشين الدوليين بزيارة المنشآت الإيرانية وغيرها من الإجراءات".

على نحو مواز، وفي حركة دبلوماسية ضاغطة، تناقلت وكالات الأنباء ما جاء على لسان وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الذي "اعتبر أنّ الحكومة الأمريكية هي الجهة المسؤولة عن حماية الاتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني من إجراءات الكونغرس المعارضة له، مضيفًا خلال مؤتمر صحفي في طهران مع نظيره البرازيلي ماورو فييرا الذي قام بزيارة إلى إيران، نحن نحمّل الحكومة الأمريكية مسؤولية تنفيذ الاتفاق، (مؤكدًا على أنّه بالنسبة لإيران)، أي إجراء يتخذ من قبل الكونغرس لمعارضة الاتفاق النووي يجب أن يتم إيقافه من قبل الحكومة الأمريكية الحالية والحكومات التي تليها".

يأتي ذلك في أعقاب فشل الرئيس الأمريكي أوباما في تأمين أغلبية "معقولة" تضمن تحقيق ما يدعو له الوزير الإيراني، إذ لم يضمن أوباما سوى أصوات "أقلية كافية في مجلس الشيوخ تتيح له عرقلة المحاولة الجمهورية داخل الكونغرس لوقف الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين القوى الكبرى وإيران بهدف منعها من إنتاج سلاح نووي"، واكتفت إدارة أوباما بإبداء ارتياحها "بعد أن أبدى 41 عضوا في مجلس الشيوخ الأمريكي دعمهم لاتفاق إيران النووي". وكان معارضون للاتفاق النووي مع إيران قد نظموا "وقفة احتجاجية أمام الكونغرس الأمريكي، قادها مرشح الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية الأمريكية دونالد ترامب".

وفي وقت سابق حذرت السفيرة الأمريكية في الأمم المتحدة سامانثا باور حذرت "من أنّ الولايات المتحدة ستصبح معزولة على الساحة الدولية، وسيتضاءل نفوذها إذا رفض الكونغرس الاتفاق، مضيفة في مقال نشرته مجلة (بوليتيكو) إن تصويت الكونغرس بـ (لا) على الاتفاق سيجعل من الأصعب على الولايات المتحدة حشد الدعم لفرض عقوبات مستقبلية، أو إقامة الشراكات مع الدول التي تشترك معها في الرؤية لمواجهة الأزمات".

إن كانت مثل هذه التصريحات السياسية والتحركات الدبلوماسية التي تقوم بها واشنطن وطهران تعني شيئًا على مستوى العلاقات الثنائية بينهما، ومن خلالها العلاقات الدولية التي تحكم الروابط بين أي منهما والدول الأخرى، فهي تؤكد أنهما يرقصان بتناغم فائق رقصة تانغو تنظم حضورهما الثنائي المشترك والفردي المستقل المقبول في المحافل الدولية.

فبالنسبة للولايات المتحدة، وهذا ما تسعى إدارة أوباما إلى تحقيقه، هناك طمأنة إيران بأن الاتفاق سوف يحظى بموافقة المعارضين له في مؤسسات صنع القرار الأمريكية، لكن ذلك يقتضي بعض الجهود، المشوبة بشيء من الصبر والتريث، المحكومة بطبيعة آليات صنع القرار في دول الغرب، وفي المقدمة منها واشنطن.

يترافق ذلك مع حرص تلك الإدارة على عدم استثارة حلفاء واشنطن التقليديين، وخاصة الدول الخليجية التي لم تقرر تلك الإدارة بعد التضحية بعلاقاتها معهم، الأمر الذي يجبرها على تجريعهم ذلك الاتفاق على دفعات، وبكميات مخففة، كي يتسنى لها في نهاية المطاف فرض الأمر الواقع عليهم.

أما بالنسبة لإيران فهي تنسق خطواتها الراقصة مع واشنطن، كما تصفها الباحثة المتخصصة في الشؤون الإيرانية، في كلية العلوم السياسية بجامعة القاهرة باكينام الشرقاوي كي تسير في طريق يحقق لها "انفتاحا خارجيا محسوبا وانتقائيا لا يهدد منظومة قيم وأهداف المحافظين، بل لعلهم يستغلون تلك الدرجة المدروسة من الحرية التي يعمل في إطارها المعسكر الإصلاحي بشكل يسمح بتطوير التعاون مع بعض القوى الغربية والآسيوية بما يخدم مصالح إيران الاقتصادية ويخفف من وطأة مشاكلها الداخلية"، دون أن يعني ذلك كما جاء في دراسة مطولة موثقة نشرها موقع مجلة الدفاع الوطني الناطقة باسم الجيش اللبناني، حملت عنوان "السياسة الخارجية الأمنية الإيرانية"، تفريط إيران "في إعطاء سياستها الخارجية سمة إسلامية من خلال التمسّك ببعض القيم الإسلامية كثوابت (كالموقف من إسرائيل ومن القدس تحديدًا)، (مع التمسك الشديد) بالقومية الفارسية (التي) تشكّل الدافع الأساسي للدور الذي تريد إيران أن تلعبه على المستويين الإقليمي والدولي". واللافت، كما تقول الدراسة "أن إيران لا تعطي أهمية للخلافات الجيوسياسية مع جيرانها سواء من العراق أو أفغانستان أو الدول الآسيوية، بل تتركّز كل جهودها حول النفوذ والدور الأمني الإقليمي الذي تريد أن تلعبه الآن أو ضمن أي نظام أمني مستقبلي. والأهم من ذلك كله، كما تقول الدراسة أنّ تلك السياسة الخارجية "لم تخف تأثيرات الشعور القومي الفارسي في زمن الجمهورية الإسلامية عما كانت عليه في زمن حكم الشاه، ولكن جرى التعامل معها بكثير من التؤدة وبشكل لا يجعلها في حالة تنافسية، ظاهريًا على الأقل، مع العامل الإسلامي".

وخلاصة كل ذلك يرسم معالمها مقال عياد أحمد البطنيجي، الذي يؤكد على أن إيران تسعى من خلال تلك التحركات "لأن تختط لنفسها خطاً سياسياً وإستراتيجياً يرمي إلى أن تصبح قوةً إقليمية مهابة الجانب. ولكن المشكلة بالنسبة لإيران هي أنّها تسعى إلى دور في غاية الطموح من قبيل أن تصبح قوة عظمى كما يصرح نجاد دائما... وهو ما يؤدي إلى اختلال التوازن الاستراتيجي بين العرب وإيران... وما ينبئ بمستقبل استراتيجي لإيران في المنطقة وفي إطارها الإقليمي، يعكس موازين القوة وحقيقة ما تملكه من عناصر القوة".

ويبقى السؤال قائماً، أين نقف نحن العرب من هذا التناغم السياسي الإيراني - الأمريكي، سواء في إطاره الثنائي، أو في نطاقه الأحادي؟.

تعليق عبر الفيس بوك