لماذا صندوق للزواج؟!

علي بن راشد المطاعني

تثار نقاشات حول صندوق الزواج بين حين وآخر في العديد من وسائل التواصل الاجتماعيوالإعلام والمؤسسات التشريعية في البلاد، ويكثر اللغط في هذا الموضوع والمبالغات حوله، وتكثر الأماني بشأن هذا الصندوق وكأنّه مصباح علاء الدين السحري؛ الذي سيحل المشكلات التي تواجه الشباب في الزواج، في حين أنّ هناك تجارب في السلطنة تثلج الصدر، وتظهر تعاون المجتمع في دعم المتزوجين والتكاتف والتآزر مثلما هو الحال في محافظة ظفار من خلال مساهمة الأهالي والأحباب والأصدقاء، ودعم العريس، في ملحمة اجتماعية تكافليّة، تظهر قدرة المجتمع على تجاوز التحديات، وتعكس الألفة والالتفاف بين أفراد المجتمع لتمكين الشباب من الزواج، إذ يتطلب أن نستفيد من هذه التجارب التي تسمى في الريف بمحافظة ظفار بـ"الغمبور"، وفي المدن بـ"الجميل" وتعميمها على ولاياتالسلطنة، بدلا من انتظار صندوق الزواج، ونعقد آمالا لحل المشكلات التي تواجه أبناءنا في إكمال نصف دينهم، والارتكان لحلول تأتي من الحكومة فقط، نحن كفيلون بحلها من خلال تعاضدنا وحسن تفكيرنا، وعدم إظهار عجز المجتمع عن إيجاد حلول لبعض الظواهر، وتقييد تفكيره في بلورة الحلول لظواهر بسيطة للأسف.

كنت أسمع عن ملحمة اجتماعيّة في محافظة ظفار لدعم المتزوجين وإسهامها في مساعدة الشباب على مواجهة تكاليف الزواج المرتفعة، إلا أنني تفاجأت بهذه التجربة عندما دعانا زميل بتشريف عرس أحد أقربائه، ورأيت كيف أنّ الناس يتدافعون للمساهمة في دعم المتزوج من خلال دفع مبالغ كل حسب مقدرته، وتسجل كل المبالغ المدفوعة في سجل لاسترجاعها في مناسبات قد تكون مع الداعمين، في تظاهرة تكافليّة رائعة نأمل أن تتجسد في كل ولايات السلطنة، وسألت الزميل عن حجم المبالغ التي تجمع قال بعضها يفوق عشرة آلاف ريال عماني أو أكثر، حسب الأحباب. قلت له أعتقد أنّها كافية بأن تغطي تكاليف الزواج بما فيها المهر؟ رد قائلا: ربما تزيد، فمثل هذه التجربة المجتمعيّة، ذات مدلول اجتماعي كبير، تتجاوز مساندة المتزوجين إلى ما هو أكبر، وهو إظهار قدرة المجتمع على التفاعل لما فيه الخير لأبنائه، وتعزيز التعاضد بين أفراده. وأتساءل هنا: لماذا لا تعمَّم هذه التجربة في كل محافظات السلطنة، ونكون بذلك أسهمنا في إيجاد بعض الحلول لظاهرة ارتفاع تكاليف الزواج وتبعاته؟ ولماذا ننتظر فقط صندوق الزواج لكي يوجد لنا حلولا في حين أن الحلول بين أيدينا؟

للأسف، لدى الكثير منا نظرة أنه يجب على الحكومة أن تتعامل مع جميع التحديات التي تواجهنا كمجتمع، سواءً كانت اجتماعية أو اقتصادية أو غيرها من التحديات التي تواجه المجتمعات الحديثة، وعدم النظر والعمل على تفعيل القدرات الإيجابية للمجتمع في إيجاد حلول مبتكرة لهذه التحديات، يشكل عبئا وضغطا على الحكومة في تحديد أولويات التنمية في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، بل الكثير ينتظر الفرج من الحكومة في أمور بإمكان المجتمع نفسه أن يجد لها حلولا قد تكون أكثر ابتكارًا وإيجابيّة مما لو تركت للمؤسسات العامة.

فمشكلة الزواج وارتفاع تكاليفه، من التحديات المجتمعية التي يجب أن يتم التعامل معها من خلال العديد من الخطوات العملية منها خفض المهور التي ترتفع بوتيرة متسارعة للأسف، ومشكلة الطلبات التي هي الأخرى تسابق الموضة، كل يوم تخرج لنا طلبات جديدة كصندوق للذهب، وهدايا للعائلة، والزواج في الصالة، والسيارات وغيرها، بل البعض يتباهى بتكاليف الزواج، وأنّها حققت أرقاما قياسية، كأنّه سوف يسجلها في موسوعة جينيس، في حين أنّها ستبقى على كاهل الزوج، وتنذر بمشكلات عويصة على الزوجين تعكِّر صفو الحياة الزوجية، وقد تفضي إلى الطلاق، وتقضي على الأحلام التي عاشها أبناؤنا بحياة هانئة، ونخلص من ذلك أنّ هذه المشكلة مجتمعيّة يجب إيجاد حلول لها من الجذور، قبل أن نطالب بصندوق للزواج.

إنّ صندوق الزواج لن يحل مشكلة تتفاقم كل يوم من خلال الطلبات الكثيرة والمتغيّرة، في سباق مع الزمن نحو إهلاكهم من خلال هذه السلوكيّات غير الإسلاميّة التي يعرفها الكل .

فالرسول صلى الله عليه وسلم أوصى بالزواج، وأمر بتيسير المهر ولو بآية قرآنيّة، وتم التزويج في عهده بخاتم من حديد، والأمثلة كثيرة في هذا الشأن لا نستطيع حصرها في هذه العجالة، نوردها من باب التدليل فقط، وهي ليست خافية على أحد، فأين نحن من ديننا الإسلامي وتطبيقه؟ أم نكتفي بالمظاهر الدينية والادعاء بالتدين والتطوع بدون تطبيق جوهره؟

إنّ الحلول تتمثل في تحديد المهور، ومعاقبة من يتجاوزها بالقانون، وفرض رقابة مجتمعية صارمة على ذلك، وخفض طلبات الأعراس وتحديد متطلباتها بحدود مالية، وتعاضد المجتمع في مساندة المتزوجين في تغطية نفقات الأعراس وغيرها، وبذلك نكون قد حللنا هذه الظاهرة وحددنا من تبعاتها، بل وأسَّسنا لتكافل مجتمعي قوي، يسهم تفاعله وإيجابياته في مواجهة الظواهر والمشكلات التي تعتريه.

وبالطبع ظهرت دعوات في السنوات الماضية بتحديد المهور بألفي ريال عماني، وكانت تجربة ناجحة في وضع حد للمبالغة في المهر من جانب أولياء الأمور، ولكن لم يلتزم أحد بها، وكذلك هناك مبادرات بالزواج الجماعي في بعض الولايات وغيرها، فالمجتمع قادر على التغلب على هذه المعضلة، متى كانت هناك إرادة وعزيمة ونية صادقة.

نأمل أن نستفيد من تجربة التكافل الاجتماعي في محافظة ظفار في مساندة المقبلين على الزواج، وتعميمها على ولايات السلطنة، وأن يلعب المشايخ وأئمة المساجد وشيوخ وأعيان البلاد والرشداء دورا في بلورة هذا الجانب، فدورهم مهم في مساندة الشباب، بدلا من أن نتفرج على الظواهر، ونبقى في صف المطالبين إلى ما لا نهاية دون أن يكون لنا دور ملموس.

تعليق عبر الفيس بوك