بريطانيا: الرغبة في العودة إلى اليسار تأتي بالاشتراكي كوربين زعيمًا لحزب العمال

لندن - الوكالات

انتخب الاشتراكي العتيد جيريمي كوربين زعيما لحزب العمال البريطاني المعارض أمس، في خطوة يقول مراقبون إنها قد تجعل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أكثر ترجيحا وربما تقلص فرص الحزب الانتخابية. وحصل كوربين المعجب بآراء كارل ماركس على 251417 صوتا تمثل 59.5 في المئة من الأصوات من الجولة الأولى. وبمجرد إعلان النتائج قوبل بالهتاف والعناق حتى من بعض منافسيه.

وهزم كوربين (66 عاما) - الذي أيّد البعض دخوله الانتخابات لإثراء النقاش السياسي دون أن يتوقعوا فوزه- وزيرين سابقين من حزب العمال هما إيفيت كوبر وآندي برنام كما هزم ليز كندال التي تعتبر ممثلة للسياسات التي يؤيدها رئيس الوزراء السابق توني بلير، وذلك بفضل المساندة التي حظي بها كوربين من جانب النقابات العمالية. ويستهدف كوربين إعادة حزب العمال إلى اليسار بعدما فشل تيار الوسط في الإنتخابات الأخيرة التي خرج منها منهزما بنتائج تعتبر الأسوء مند عقود. وكوربين يساري وبرلماني محنك له باع طويل من التصويت ضد مشروعات قوانين طرحها حزبه. وفاز بزعامة الحزب بناء على وعود بزيادة الاستثمارات الحكومية من خلال طبع الأموال وإعادة تأميم قطاعات واسعة من الاقتصاد.

وعلى الجانب الآخر، يرى محللون أنّ انتخاب اليساري الراديكالي جيريمي كوربين زعيمًا للمعارضة البريطانية سيحدث انقسامًا في صفوف حزب العمال، لكنه سيوفر فرصًا عدة لرئيس الوزراء ديفيد كاميرون، ولو أنها لن تخلو من بعض المشاكل.

وقال اندرو هاروب الامين العام لمؤسسة فابيان سوسايتي من الوسط اليسار "انه ينجح لانه يمثل الموقف الرافض للسياسة التقليدية، ولأن المرشحين الآخرين لم يعرفوا كيف يثيروا شعورا بالحماسة أو الأمل" لدى الناخبين. ويشير محللون إلى أن كوربين لا يتمتع بفرص كبيرة لتولي رئاسة الحكومة، لأنّ الأفكار التي يدعو إليها، مثل فرض ضرائب على الأكثر ثراء وإلغاء التسليح النووي وتشريع "حشيشة الكيف"، لا تلقى أصداء إيجابيّة في الأوساط السياسية.

إلا أنّ فوز كوربين قد يؤدي إلى انقسام حزب العمال، وربما رحيل الوسطيين، الأقرب من الخط الإصلاحي، الذي يدعو إليه توني بلير، والذين لا تروقهم سياسة معارضة التقشف، التي يدعو إليها كوربين، على غرار حزبي سيريزا اليوناني وبوديموس الإسباني.

وتوقعت يونيس غوس، التي سيصدر لها قريبًا كتاب حول إيد ميليباند، الزعيم السابق للعماليين، أن يواجه كوربين "امتناعات وتحديات وتهديدات بالانشقاق وهجمات عبر وسائل الإعلام بشكل يومي".

ومن جانبهم، رحب المحافظين بوصول "الرفيق كوربين" إلى رئاسة الحزب. حتى إنّ بعضهم سجلوا أسماءهم كمؤيدين لحزب العمال من أجل التصويت لمصلحته بناء على اقتراح لصحيفة "ديلي تلغراف"، وهي من بين الصحف الأكثر انتشارًا وتأييدًا للمحافظين.

ولم تتدخل أوساط الأعمال البريطانية المحسوبة على المحافظين في النقاش السياسي، واكتفت بالتحذير من بعض مقترحات كوربين، مثل فرض سقف على الأجور المرتفعة جدًا وإعادة تأميم بعض الصناعات. ووقع قرابة 55 خبيرًا اقتصاديًا رسالة نشرتها صحيفة "فايننشال تايمز" في سبتمبر للتنديد بالمشاريع "الخطيرة" لكوربين، لكن 40 آخرين وقعوا رسالة تأييد له.

وردد كوربن في اللقاء الأخير ضمن حملته الانتخابية في شمال لندن، معقله الذي يمثله في مجلس النواب منذ العام 1983، شعاراته امام حشد مؤيد له. وقال كوربن "نحن نغير السياسة في بريطانيا، ونتحدى الفكرة القائمة على ان المسائل الفردية وحدها هي المهمة، ونقول في المقابل إنّ المصلحة المشتركة هي مطلبنا". ومع ان كوربن لم يحصل على تاييد غيره من النواب، الا انه كسب قاعدة الحزب والنقابات، من خلال دعوته الى الانتقال إلى اليسار، عبر مقترحات مثل إعادة تأميم السكك الحديد والطاقة وفرض رقابة على الإيجارات. وتعرض كوربن للانتقاد من قبل اليمين، رغم أنّ المراقبين يرون أنّ حزب العمال بقيادة كوربن سيشكل فرصة ثمينة للمحافظين الذين سيكسبون الوسطيين غير الموافقين على خطه الراديكالي. وأعلن كاميرون أول أمس في إشارة إلى الحزب، لكن مستهدفا كوربن "خطابه المتطرف يعد فقط بمزيد من النفقات والاقتراض والضرائب". واضاف كاميرون "آمل ألا نجد أنفسنا أمام معارضة تعيد الخلافات التي اعتقدت أنّه تمت تسويتها في ثمانينيات القرن الماضي عندما كان الأمر يتعلق بتأميم نصف الصناعات البريطانية والتخلص من أسلحتنا النووية".

ويتوقع أن يُعقّد انتخاب كوربين عمل كاميرون، الذي سيبدأ حملة من أجل بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، تحضيرًا للاستفتاء، الذي سينظم في هذا الشأن بحلول نهاية 2017.

وحزب العمال مؤيد تقليديًا للاتحاد الأوروبي، إلا أنّ موقف كوربين أقل وضوحًا. وشدد بيغ "لقد ظل غامضًا حول هذه النقطة". ويعتبر كوربين أنّ أوروبا "تقوّض مصالح العمال".

إلا أنّ المحللين يرون في نهاية الأمر أنّ حزب العمال بقيادة كوربين يشكل فرصة لا تضاهى لرئيس الوزراء، الذي يمكنه أن يستغلها لتعزيز صفوف حزبه، من خلال ضم الوسطيين المعارضين للمواقف المتطرفة الجديدة للعماليين. وكتب المعلق المحافظ فريجر نيلسون في صحيفة "تلغراف" أول أمس إنّ المحافظين "لديهم فرصة ذهبية"، وعلى "كاميرون الاستفادة منها".

تعليق عبر الفيس بوك