قناة السويس: التاريخ والمصير والوعد

عبيدلي العبيدلي

"وأزعم أن انتصار مصر في مواجهة العدوان الثلاثي عليها من إنجلترا وفرنسا وإسرائيل كان أكمل انتصار في تاريخ العرب الحديث، بل إنّه كان أكملانتصار في تطبيق نظريات الحرب المحدودة منذ ظهرت تلك النظريات في أعقاب التعادل النووي بين القوتين الأعظم: الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق... فلقد طالت سنوات التيه، وحان للدليل أن يعطي لأهله إشارة بأن الطريق إلى المستقبل مفتوح حتى وإن كانت التضاريس أمامه صعبة وعصية... وأزعم أن انتصار مصر في مواجهة العدوان الثلاثي عليها من إنجلترا وفرنسا وإسرائيل كان أكمل انتصار في تاريخ العرب الحديث، بل إنه كان أكملانتصار في تطبيق نظريات الحرب المحدودة منذ ظهرت تلك النظريات في أعقاب التعادل النووي بين القوتين الأعظم: الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق".

تلك كانت فقرات من "تقديم" الأستاذ محمد حسنين هيكل لكتاب "قناة السويس: التاريخ والمصير والوعد، إصدار تذكاري علمي ووثائقي بمناسبة افتتاح قناة السويس الجديدة".

من جانب آخر يسلط محرر الكتاب أحمد السيد النجار، في مقالته الأولى، "التأميم ... استعادة الحقوق وتمويل السد"، الضوء على قضية في غاية الأهمية تتناول علاقة تأميم قناة السويس بتمويل "مشروع السد العالي"، منوهاً إلى اللحظة التي وجد فيها الرئيس الراحل جمال عبدالناصر نفسه أمام خيارين، "إما الخضوع لمشيئة الولايات المتحدة وبريطانيا... وإما البحث عن الاعتماد على الذات بصورة رئيسة في تمويل السد العالي بالإضافة إلي البحث عن مصدر خارجي للتمويل يعرض المساعدة غير المشروطة على مصر وهو الاتحاد السوفياتي... وكدولة بدأت طريق الاستقلال، وكانت في عنفوانها، اختارت مصر دولة وشعبا الطريق الثاني، وأممت قناة السويس".

ما يحاول أن يقوله الكتاب في صفحاته التي تصل إلى حوالي 350 صفحة، هو أن لمصر تاريخ عظيم، هو الذي مد المصريين بالقوة والعزيمة اللتين شكلتا صلب القدرة على اتخاذ قرار التأميم، بعد شق القناة نفسها، التي شكلت علامة فارقة في تاريخ تطويع الإنسان للبيئة كي يتسنى له الاستفادة منها في تحقيق التطور الذي يهدف إلى نيله. ولكي يطلع القارئ الكريم على الأهمية التي تحتلها قناة السويس نورد بعض الحقائق، التي تناقلتها وسائل الإعلام، المتعلقة بها كممر مائي دولي يربط بين قارات العالم القديم الثلاث:

· افتتحت القناة في العام 1869 بعد عمل استمر حوالي 10 سنوات.

· قرر الرئيس جمال عبد الناصر في العام 1956 تأميم القناة التي كانت تديرها حتى ذلك الوقت، شركة قناة السويس البريطانية -الفرنسية، ما تسبب آنذاك في نشوب حرب السويس أو العدوان الثلاثي على مصر.

· تسببت حرب 1967 بين إسرائيل ومصر في إغلاق قناة السويس لأكثر من ثماني سنوات، حتى قام الرئيس المصري أنور السادات آنذاك بإعادة افتتاحها في يونيو 1975.

· عبر في العام 2013، 4.6% من النفط والمنتجات النفطية العالمية، وفقاً لوكالة معلومات الطاقة الأمريكية.

· وصلت حركة المرور عبر القناة في العام 2007، إلى 7.5% من التجارة البحرية العالمية، وفقاً لمجلس الشحن العالمي.

· يهدف الفرع (القناة) الجديد(ة) الذي يبلغ طوله 72 كيلومترا إلى خفض فترة انتظار السفن من 18 إلى 11 ساعة، كما يتيح الإبحار في الاتجاهين.

· بني هذا الفرع في أقل من عام، بتكلفة بلغت حوالي 9 مليارات دولار، وتم تأمين غالبية التمويل من خلال اكتتابات استثمارية من المصريين.

· يأمل المسؤولون المصريون أن يؤدي الفرع الجديد عند تضاعف طاقة الملاحة اليومية في القناة إلى زيادة إيراداتها السنوية من 5.3 مليارات دولار في المتوسط حاليا إلى نحو 13.2 مليار دولار بحلول العام 2023.

وإلى جانب قضايا السياسة والاقتصاد والتنمية، بل وحتى الإستراتيجية، خصصت الأهرام نسبة لا بأس بها من صفحات الكتاب، لتسليط الضوء على الجوانب الأدبية والإبداعية من صحافة فنون ذات العلاقة بقناة السويس. هذا ما تناوله باب "قناة السويس: والإبداع في الصحافة والفنون والآداب"، من إعداد إيمان أحمد وأحمد السماحي.

ويزخر الكتاب بمادة توثيقية مهمة تتحدث عن تلك المحطات الثلاث. تتوزع على صفحاته، قبل أن نصل إلى الوثيقة الأخيرة التي تعرض نصوص الفرمانات، من أولها الصادر في 30 نوفمبر 1855، حتى قانون رقم 285 في 26 يوليو1956الذي عالج مسألة "تأميم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية". وكانت هناك حرفية عالية في المزاوجة بين النصوص والصور والرسوم البيانية والخرائط والوثائق، الأمر الذي يدعو بإلحاح إلى الإسراع في نقل محتوياته من نسختها الورقية إلى شقيقتها الإلكترونية.

بقيت ملاحظة لابد من التوقف عندها وهي بعض الأخطاء غير المبررة التي شوهت هذا العمل التوثيقي المبدع العملاق. وسوف أكتفي بما يلمسه قارئ مقالة محرر الكتاب أحمد السيد النجار، التي اقتطفت منها بعض المقاطع. يرد في فهرست المحتويات أنها تبدأ في الصفحة 172، في حين نجدها تبدأ من صفحة 184، وما هو أسوأ من ذلك أن رابعًا يسبق ثالثًا في تتابع الصفحات، الأمر الذي أفقد هذا المقال الغني في مادته، والثري في تحليلاته، بعضا من تشويقه.

لكن بعيدا عن هذه الزلات غير المقصودة، التي لا تمس جوهر الكتاب، ينبغي القول إن الكتاب نجح في وضع صورة حقيقية جديدة لقناة السويس، ومن ورائها مصر، في أذهان القارئ العربي، وعلى وجه الخصوص الجيل الشاب الذي، لأسباب كثيرة لا مجال لسردها هنا يفتقد، لإغناء ذاكرته الشحيحة حول مصر وقناتها.

بعد الانتهاء من قراءة الكتاب يكتشف القارئ حصافة اختيار عنوانه الذي اختار كلمة "التاريخ" كي يسرد الماضي لقناة السويس، و"المصير" كي يشخص حاضرها، و"الوعد" كي يستقرئ مستقبلها.

وما يقوله الكتاب ضمناً أنّ القناة كانت تاريخًا مشرفاً، وهي اليوم واقع مهم، وغدًا مشروع ضخم بكل المعايير الدولية قبل الإقليمية أو الوطنية.

تعليق عبر الفيس بوك