مباراة خاسرة!!

المعتصم البوسعيدي

نخوض في معركة الحياة مباريات متعددة ومختلفة نتائجها لا تخرج عن المعادلات الثلاث: الفوز، الخسارة، وربما التعادل بشكل أقل، وفي خضم معركتنا ـ إذا ما اتفقنا على هذا التشبيه ـ توجد هناك مباريات خاسرة مهما كانت النتائج المتحققة فيها؛ إلا أنها ستقود أخيرًا لخسارة حتمية، وحتى لا يكون الكلام مُلقى على عواهنه، سنسرد بعض المباريات الخاسرة في الرياضة من حولنا.

نبدأ من حيث نهاية مباراة منتخبنا الوطني الأول لكرة القدم في التصفيات المزدوجة عن القارة الآسيوية، تعادل أشبه بالخسارة، وسيناريو مكرر من النقد والهجوم على كل الجبهات الإدارية والفنية واللاعبين، وذكرت في مناسبات سابقة إن لحظة الفوز عندنا تعكس الوجه الجميل فقط وتغيب عنا (القُبح) الموجود، ولحظة الخسارة تجُرنا نحو الدخول في نفق أحادية النظرة السلبية، ومع الدكتور طارق الحبيب بروفسور الطب النفسي تعلمنا إن حل المشكلة يجب أن ينطلق من قاعدة والقضيّة ليست في المشكلة بحد ذاتها؛ بل في نظرتنا لها، ثم إنّ أركانها يجب أن تتمحور على معطيات وأهداف منظورة نسعى لها مع وجود العقبات والصعوبات التي تعترض الحل المناسب.

أول المباريات الخاسرة الرهان على المدرب الفرنسي بول لوجوين، مباراة خاسرة نخوضها باسم الاستقرار الفني رغم أن المعطيات واضحة جدًا ولا تحتاج لفلسفة؛ فالمدرب فقد الإضافة (وفاقد الشيء لا يعيطه) ليس لتعادله في مباراة (غوام) حتى لا أُتهم بردة الفعل، ولكن هو نفسه لم يبرر الاستقرار الذي عليه، لم يحترم ما كان يقوله بأن هذا الشعب هو أمة عظيمة يستحق الكثير (ولم يحترم) أقصد بها أنه لم ينسحب بالاستقالة على سبيل المثال خاصة في ظل حديثه عن واقع احتراف الكرة العُمانية، الأمر الذي ليس بخفي عن الوسط الرياضي بكل مكوناته، والأمر يُقال للاتحاد العُماني أيضًا في ظل المسلسل (المكسيكي) الذي طال ولم ينته، علاوة على وجود أخطاء في اختيار اللاعبين لا يوجد لها تفسير مفهوم، الفرنسي لم يضخ دماء جديدة في وريد المنتخب وهذا ما كنا نتأمله وقد استبشرنا خيرًا في إشراقة النور الأولى عند قدومه، فخيب الظن وبددَ حلم الهوية الجديدة وظهرت أزمة الثقة، حتى ان ارتفاعنا في سلم التصنيف ـ معه هو بالذات ـ انحدر بشكل مخيف ومقلق، لذلك مباراة الرهان عليه خاسرة وإن حققنا بين فترة وأخرى الفوز أو قدمنا الأداء الجميل، فخط الرجعة يُعيدنا سريعًا لنقطة الصفر!!

مباراة خاسرة أيضًا تتمثل في الاتجاه الخطير للنقد مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي بنهج (السخرية) الذي نتعاطى به مع القضايا والأزمات أو حتى الأخطاء والمشاكل، وللأسف إن الأمر بات واضحًا في كل قضية رياضية كانت أو غيرها، بدأنا نفقد اللمسة الإنسانية والدخول في خصوصيات البشر، واستغلال حالة الاستياء بشكل سيء جدًا وغير مبرر، لقد جُبلنا على حقيقة قول المصطفى صلوات الله عليه وسلامه (لو أنأهل عمان أتيتَ ما سبوك و لا ضربوك) فما بالنا نصنع الإساءة ونتناقلها، فالحذر الحذر فإن شخصنة النقد والتشدق بالفن الساخر خسارة حتمية لمباراة القيم التي لطالما كنا الفائزين فيها.

نُبحِرُ على ضفاف الوطن العربي لنجد أكثر المباريات الخاسرة فداحة إلا وهي التعصب (المقيت) للأندية واللاعبين: من الأفضل بيليه أم ماردونا؟! ميسي أم كرستيانو رونالدو؟! الهلال أم النصر؟! الأهلي أم الزمالك؟! ريال مدريد نادي القرن أم برشلونه نادي الأساطير؟! والدخول في صراعات تصل للتعارك والتشابك، ولانستغرب ذلك؛ فالجو العام مشحون بالتعصب واتباع الاهواء والانطلاق من قاعدة (ونجهل فوق جهل الجاهلينا) هذا الذي جرنا لإهدار الدم على الهوية والافتراضات، نجتمع على ما يفرقنا لا على ما يجمعنا، ونُسخِر الإمكانيات للدفع بعجلة التطرف الفكري والمصيبة الأعظم ان ننقل ذلك للنشءِ، وكما قيل في الفكرة: نحن لا نسعى لاستنتاج الخطأ فيها وإيجاد الحلول المناسبة لها؛ ولكن نبحث بكل ما أوتينا من قوة على تعزيزها وإثباتها وقد تكون خاطئة، فنثبت بذلك فكر خطير نقوده بالمنطق الشائع الذي لا وجود له في قواعد حل المشكلات.

أحد مفاتيح الأشخاص ذوي الفعالية العالية التفكير بالمنفعة العامة التي يجب غرسها في الإطار الذهني للشخصية، التفكير بطريقة (نحن) وليس (أنا) ولعل معرفة مبارياتنا الخاسرة هي طريقة مثالية لتوفير حالة من الاستقرار الفكري الذي سينتج تفاعل مع الأهداف والطموحات، نحن بحاجة لصناعة قدوتنا لا باتباع القدوة فقط، وهذه قضية أخرى وإشكالية مختلفة خاصة مع تعلقنا بالرموز وقداستها في أغلب الأحيان، كما أن الخبرات التي لا تقوم على علم ومراجعة لا تعتبر من رصيد الخبرة فتقادم العمر ليس بالضرورة يعني تراكم معرفي، وعلى هذا فإن (دوري المحترفين) مثلاً لن يعطينا خبرة ما لم يقم على علم ومراجعة شفافة، شخصيًا ضد إلغائه لأنني أظن أنه بداية التغيير رغم العثرات التي أراها طبيعية في ظل عدم وجود قرار (كبير) يتبنى الاحتراف المدعوم ماديًا بالشكل المطلوب، وأتمنى ألا نكتب عن دوري المحترفين في يوم ما أنه مباراة خاسرة!!

تعليق عبر الفيس بوك