هل يشعل المال الخليجي حربا عالمية ثالثة؟!!

حمد بن سالم العلوي

قد يقول البعض هذا فأل شر لا ينبغي طرق بابه، ولكن هناك من قال إنّ أبواب الشر قد فتحت فعلاً، وليس من اليوم بل من زمن بعيد، أي منذ أن تغلغلت المخابرات الغربية في بلاد العرب والإسلام، وأنشأت حاضنات ترعاها بملبوس ديني إسلامي، ظاهره فيه الرحمة، وباطنه يُخفي سمٌ زؤام ينخر عظمها وعضدها من الداخل، ولا نقول إنّ ذلك حدث بزرع إسرائيل في قلب بلاد العرب والإسلام، الحقيقة أن ذلك وحَّد العرب والمسلمين، وصرفهم عن الانشغال بحروب بعضهم البعض، فتوجهوا باتجاه العدو المشترك (إسرائيل)، وبالطبع فإن الغرب لم يكن ليضحِّي بإسرائيل، حتى لو اجتمع العُرب كلهم عليها، فهم وقتذاك كانوا مهيمنين على المنطقة بشكل مباشر وغير مباشر، ومن يقرأ كتب التأريخ سيعرف ذلك، وكانوا مستعدين لظاهرة عبد الناصر، وكل القوميين العرب الذين عاصروه، أو ممن أتوا بعده من بعثيين وغيرهم، كما سبق وأن تصدوا للوطنيين والإسلاميين من أمثال عمر المختار، وعبد القادر الجزائري، ومحمد عبده وغيرهم، وذلك بإنشاء مناوئين لهم باسم الدين، ولكن مع اختلاف الاتجاه والسريرة بالطبع، وذلك بعدما عرفوا أن أصحاب العقيدة الصحيحة هم المنصورون دوماً. إذن القوة الصدامية لم تجد نفعاً، وهم قد جربوها في الماضي، وكانت أكثر كلفة مادية وبشرية، ولكن الدهاء والمكر والحيلة هي الأكثر نجاعة في عالم اليوم، فعمدوا إلى التخطيط الإستراتيجي بعيد المدى، الذي يحقق مجموعة أهداف في آن واحد، ويعطي استمرارية في النتائج، وقد نظروا إلى حروب أكثر فظاعة وفتكاً بالخصم دون مواجهة، ولكن إذا كان لا بد من ذلك لضرورة تقتضيها المرحلة، فإنّه لا بأس، بشرط أن تكون وراء حصون وجدر، أي بإدخال شريك ظاهري من أهل الأرض، كما حصل في تدمير العراق على سبيل المثال، وبذلك يتم كسر حاجز المروءة بين العرب، وكسر الخوف من الظلم بدعوى نشر العدل، ورد الحقوق، كما يفرض الإسلام، وبنفس هذه الطريقة، نشرت الفوضى في العالم العربي، أي رفع الظلم وإقامة العدل، ففي سبيل العدل ورد الحقوق إلى أصحابها، اشتعلت نيران الحروب في بلاد العرب من ليبيا إلى اليمن وحتى الصومال. إنّ خداع العرب يتم بالسلطة والمال، وحب السلطة مقدَّم على المال، ونحن العرب لا نخرج من خداع حتى نُدخل في آخر، فملك الحجاز وعده البريطانيون بحكم العرب، إذا ما ساعدهم على إخراج العثمانيين من بلاد العرب، ولكن النتيجة أن العثمانيين خرجوا، ودخل البريطانيون والفرنسيون والإيطاليون بدلاً منهم، وما خرجوا إلى اليوم من بلاد العرب. إذن ظلوا موجودين بيننا بأدواتهم، ينفذون خططهم، ولكن بحسب قوانين الكون ونواميس الأرض فإنّه لا "خلود" لأحد.

إنّ مخاض التغيير أخذ يلوح في الأفق، وتوازن القوى يفرض نفسه بالقوة، وإلاّ فكيف للقوي أن يشعر بقوة الآخر، والتناطح على مال النفط قادم، وهناك قوى صاعدة يعرفها الغرب، ونغفلها نحن العرب، لماذا نغفلها؟ لأننا لدينا الكثير من النفط والغاز، والموقع الإستراتيجي بين الشرق والغرب، وقد تعودنا على الغرب كحامٍ أوحد لنا من جشع الروس والصين، ونظامهم الاشتراكي، وكذلك هذا الغرب هو الحامي لنا من طمع بعض القوى الإقليمية ودرءا لهذه المخاطر المحدقة،.

قد يتقبّل بعض العرب هذا الهذيان، ولكن هل ستتقبله الصين وروسيا، ودول البريكس مجتمعة، وهل سيقبلون فعلاً هزيمة سوريا والعراق واليمن؟! والاستحواذ على الدول النفطية والكثير من مصادر الطاقة، بحيث يظل الغرب هو المهيمن على خيرات المنطقة، يجزم الكثير من المحللين، بأن الأمور لا تسير في اتجاه واحد، وأن على حكام العرب والخليجيين خاصة الانتباه ليس لردة الفعل الروسية والصينية والإيرانية فحسب، بل الانتباه أيضاً إلى من يزعمون أنهم حلفاؤهم الأوفياء.

إنّ زمان الميل إلى جهة واحدة، قد ولىَّ وانتهى، وإنّ درء النّقم باللّقم ضرورة واقعة، وإن إقامة الحق والعدل بين الناس لا يتم بالحروب والقتل، وإنما بالحكمة والسيرة الحسنة بين النّاس، وإن لبوس المال والدِّين لن يستر كل العورات، وإن القتل بغير حق هو فساد في الأرض، والخالق عزّ وجلّ حرم قتل النفس حتى ولو لم تكن مسلمة.. فكيف بالله عليكم إذا كانت مسلمة موحدة.

وإنّ التعامل مع الدول العظمى كروسيا أو غيرها، لا يجوز أن يتم بنفس تعاملكم مع بعضكم، فعليكم أن تتقوا من إذا قال فعل، وأحذروا جر الدول القوية إلى إظهار قوتها، لأنّها لن تفرِّط في مصالحها وأمنها القومي، كما لن تفرِّط في مكانتها ومصداقيتها عند حلفائها، فعلى سبيل المثال هزيمة سوريا تمثل هزيمة لروسيا، وليس هناك من مقارنة مع أوكرانيا وسوريا، فأوكرانيا أولاً لم تذهب كاملة، وستعود مع الوقت، أما سوريا فإن ذهبت فعلى روسيا أن تغسل يدها من منطقة الشرق الأوسط كاملة، ولعقود قادمة طويلة، إذن المعادلة مختلفة تماماً، وليس والله للدول الضعيفة إلا السعي إلى التعايش مع الجوار المحيط، ومع العالم أجمع بالحسنى.

لقد جرّبنا كل السبل كعرب .. ولم نفلح، فلماذا لا نُجرب سبل التسامح والتعاون؟ ومن ثم نرى كيف تسير الأمور، فالحروب الوقائية نيابة عن الآخرين لن تجدي، وليس لها نفع إلا لمن خطط لها وسعى إليها، أما نحن فلا ناقة ولا جمل لنا فيها .. بالله عليكم، كفى مضيعة للمال والنفس، وتفريطا فيما تبقى من أرض وعرض.

safeway-78@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك