قراءة في الموقف السعودي–الإيراني

سلطان بن خميس الخروصي

" من دخل اليمن غازياً سيفرُّ منها خائباً وستكون محرقة للغُزاة"، "سينصرُ الله من يجاهدون لتطهير اليمن من رجس المجوس" عبارتان تناقضان بعضهما البعض فلقت المجتمع العربي بين مؤيدٍ لما يحدث في جنوب الجزيرة العربية وبين من يُعارضه، وبين المتناقضين أبواقٌ رخيمة تُفتي على ما يشتهيه الجمهور!، وأخرى تتقاذفها الفوضى بين واقعٍ مؤلم ومستقبل مُوحش وبينهما حجاب من حميَّة الجاهلية الأولى، يبدو أنّ المواطن العربي أصابته التُخمة حول مُناصرة قضاياه المصيرية التي تدفَّقت في تأييدها دماء زكية وأزهقت الأرواح الطاهرة للذَّودِ عن حياضها المُقدَّس، وكما هو بيَّنٌ للعيان أنّ القضية الفلسطينية أصبحت في محل نصب خبر (كان)، وأن الفوضى السياسية والاندثار الاقتصادي والترهل الانهزامي في القرارات السيادية والاستراتيجية أضحىأمرًا طبيعيًا.

وبين كل هذا الزِّحام كانت دول الخليج العربي محط أنظار المراقبين؛ فيما تشهده من طفرة تنموية مادية وبشرية كبيرة إلا أنّها لا تزال تعتمد على النفط في قوَّتها الإستراتيجية مما قد يجرُّ المنطقة في مراحل لاحقة نحو مفترقات طرق خارجة عن الحسابات، وقدشكل تنامي الدور الإيراني في المنطقة وظهورها كقوة كبرى ذات أبعاد سياسية ودينية واقتصادية، أثارت حفيظة ملوك ورؤساء الخليج والذين بدورهم صدَّروا هذا الهاجس لشعوبهم عبر المثقفين والكُتَّاب ووسائل الإعلام ليكون ذاك الشرخ العظيم بين الجانبين والذي بلغ أشده في حرب الاستنزاف لثمان سنوات عجاف (1980-1988) بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية بقيادة الخميني وبين العراق بعُدَّته وعتاده وجنده بقيادة صدام حسين ومعه دول الخليج العربي بأموالها السخيَّة لتنتهي تلك الحقبة دون منتصر لكن نتائجها الوخيمة كانت أكثر إيلامًا على دول الخليج التي تلقَّت ضربة موجعة بغزو صدام للكويت؛ بعدما خذله جيرانه حينما أغرقوا العراق في ديون الحرب ولم يلتزموا بخفض إنتاج النفط حتى يعوض العراق خسائره عبر رفع سعر البرميل.

وعودة إلى المشهد اليمني، فإنّالشعور السعودي بوجه خاص والخليجي بوجه عام من أنها حُشرت في زاوية المُتفرج أمام كل ما تملكه من ترسانة حربية مهولة ومحيطات من الأموال والنفط، إلا أن سقوط نظام صدام - على الرغم من وقوفهم ضده- شكل علامة فارقة نحو الوقوف ضد الأخطبوط الثوري الإيراني في المنطقة والقائم على تصدير الثورة (للمستضعفين)، فارتفعت وتيرة هاجس خلخلت التوازن المذهبي والولائي في البحرين واليمن والمنطقة الشرقية بالسعودية ناهيك عن بعض الدول العربية كسوريا وليبيا ومصر ولبنان، إلا أنّ السعودية وفي عهد الراحل الملك عبدالله كانت لا تزال تتشبث بسياسة إمساك العصى من الوسط غير أنّ هذه السياسة اختلفت إثر اعتصامات دوار اللؤلؤة في البحرين في 2011؛ إذ تحركت الترسانة الخليجية - عبر درع الجزيرة- لإثبات الوجود وتمكين الذات السيادية والحفاظ على ماء الوجه خاصة أمام تواتر التصريحات الإيرانية بحقها في البحرين سياسيًا واجتماعيًا وحضاريًا، إلا أنّ الامتعاض الخليجي وشكوكهم تجاه إيران ظل حبيس المفاوضات واللقاءات إلى أن أفرزت الساحة السياسية العالمية متغيرات أشعرت السعودية وحلفاءها بأنّها في موقع "كش ملك" ولربما يتم تقاسم الكعكة بين أعدائها وأصدقائها، فيكون الخليج بين كماشة المصالح المتبادلة بين الدول العظمى؛ فالاتفاق النووي بين إيران وشيطانها الأكبرأمريكا قد دقَّ ناقوس الخطر بأنّ الحليف الاستراتيجي للخليج العربي - أمريكا- قد تتخلى عنهم حينما يتعلق الأمربمصالحها الوطنية، بالمقابل فإنّإيران تحظى بعلاقات وطيدة مع روسيا والتي تجدها السعودية جبهة مضادة لتوجهاتها في سوريا واليمن، أضف إلى ذلك مستقبل العلاقةالحميمية التي بدأت مياهها الدافئة تسري بين أحضان إيران وأمريكا وأوروبا، ومن هنا كان لابد من حِراك فعلي لإذابة الجليد وإثبات الذات؛ ومن هنا حلقت طائرات التحالف في اليمن دون علم الأمريكان الذين صرَّحوا بأنّ ما حصل كان دون علمهم أو تنسيق مسبق مع مملكة الاستخبارات التي يتمتعون بها وفي ذلك إشارة للغضب السعودي مما يجري على طاولة المفاوضات الإيرانية - الأمريكية.

مثَّل التحالف الخليجي بقيادة السعودية ضد الحوثيين ودكّ اليمن بأطنان الترسانة الثقيلة محل استغراب واستهجان كبيرين في الأوساط العالمية، وقد لا يختلف اثنان أنّ الحرب هلاكٌ للبلاد والعباد؛ فلا يسلم منها بشرٌ ولا مدرٌ ولا شجرٌ إلا ويُصاب بالألم والدمار، وهنا يطرح المواطن الخليجي جُملة من التساؤلات التي تحاول قراءة واقع الصراع السعودي الإيراني ومنها: لماذا دخلت السعودية وحلفاؤها بكل هذه الترسانة المهولة لليمن؟، وهل شعور السعودية وحلفائها بأن إيران تحشرهم في زاوية ضيقةمنطقي؟، ثم هل يصدق قول المراقبين بأن الحرب بالوكالة بين إيران والسعودية دخلتإلى حرب مباشرة في الساحة اليمنية؟، وهل السعودية ودول الخليج على استعداد لتحمل التبعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لهذه المعركة؟، ثم ما الفرق بين ما اعتبرته السعودية أثناء اجتياح الكيان الصهيوني للبنان في صيف 2006 بأن الأخير أدخل نفسه في مغامرة غير محسوبة - في إشارة لحزب الله- وبين ما تقوم به دول الحلفاء في اليمن أوليس صيف 2006 بلبنان هو ذاته صيف 2015 باليمن؟، وأخيرًا هل قرأ الخليجيون التدخلات السعودية باليمن منذ ما قبل اتفاق الطائف 1934م، وحتى اليوم ليضعوا إصبعهم على المربع الذي يحتويهم في المشهد اليمني؟، أسئلة كثيرة يفترض أن يطرحها المواطن الخليجي ليجيب عليه كبراء السياسة الذين يضخّون ليل نهار بحار الأموال في حرب استنزافية كان حريٌّ أن تبنى من خلالها مؤسسات الدولة العصرية في اليمن ويُنتشل من براثن الفساد والتخلف والتعصُّب، كان من المفترض أن تُبذخ تلك الأموال لتنوير بعض رجالات الدين في دولنا الخليجية التي (تُفصِّل) الفتاوى الباطلة،فيُصنِّفون هؤلاء شهداء وأولئك حطب جهنم دون تأصيل شرعي لماهية الشهيد ومعرفة أصول المُعتدِي والمُعتدَى عليه وهم يتلون قول نبيهم الكريم "مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النار".

نحن بحاجة إلى أن تُستهلك هذه الأموال في تنقيح مناهجنا التي لا تزال تتحدث عن تكفير الشيعة أوالسنة أو إحلال دم المؤمن باسم المذهب والقبيلة والعِرق، نحن بحاجة لأن نقف دقيقة صمتٍ نُرتِّب من خلالها أوراقنا المُبعثرة، ونُلملم الفوضى التي قد تجتاحنا أمام ضجيجما يحدث في الوطن العربي دون أي اعتبار للإنسانية والتاريخ والحضارة.

sultankamis@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك