أنجيلا ميركل.. "أم المهاجرين"

الرُّؤية - خاص

ليس غريبًا على امرأة تربت على القيم "اللوثرية" قالت للقضاة الذين طالبوها بمساواة رواتبهم مع المعلمين -أعلى فئة تتقاضى راتبًا في ألمانيا وأوروبا- "كيف نساويكم بمن علَّموكم؟"، ليس مستغربا من ابنة هورست كاسنر (القس اللوثري)، وأول امرأة (بروتستانتينية) تتولى رئاسة حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي صاحب الجذور الكاثوليكية المتشددة أن تتلقى فيضا من رسائل المحبة عبر الإنترنت من معظم دول العالم، خاصةً من العرب والسوريين، بعد أن أصدرت قرارها بإلغاء الإجراءات البيروقراطية المتبعة مع اللاجئين؛ مما سمح للمواطنين السوريين بالحصول على صفة اللجوء في ألمانيا.

وسريعًا ما انصاع المكتب الفيدرالي الألماني للهجرة واللاجئين التابع لوزارة الداخلية الألمانية لرغبة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركلوكتب تغريدة على موقعه مؤكدا "أنه لن يلتزم بعد الآن بتطبيق نظام دبلن التابع للاتحاد الأوروبي في الحالات السورية فقط".

وشدَّدت ميركل على اتخاذ إجراءات صارمة ضد أي تحرك عنصري ومتطرف ضد اللاجئين، في وقت يزداد فيه تعرض اللاجئين لحوادث تؤدي إلى مقتل العديد منهم. وقالت ميركل -في مؤتمر صحفي في برلين- "السلطات لن تتسامح مع من يشككون بكرامة الآخرين، وأحذِّر من المشاركة في مظاهرات ذات خلفيات عنصرية ويمينية متطرفة". وأضافت: "ألمانيا سترحب بمشاركة إيران في أي مفاوضات تهدف لإنهاء الحرب الأهلية في سوريا. وعندما سُئلت ميركلإن كانت تعتقد أن إيران يمكنها أن تقوم بأي دور بناء؟، قالت:"أعتقد أنَّ إيران لها قَدْر كبير من النفوذ على ما يحدث في سوريا، وأي طرف موضع ترحيب للمشاركة بطريقة بناءة في المفاوضات"، وأضافت بأن "معارضة إيران لإسرائيل يجب أن تتغير".

والجدير بالذكر أنَّ العام الماضي سجل أكثر من 7.6 أجنبي يعيشون في ألمانيا -وهو أكبر رقم منذ أن بدأ التسجيل عام 1967- أعلنت البلاد مؤخرا أنها تتوقع وصول 750000 لاجئ هذا العام، أكثر من ضعفهم -300000- من الواصلين الجدد الذين توقعتهم وصلوا في يناير. ومع ذلك، أكدت ميركل على ضرورة الإسراع في دراسة طلبات اللجوء، خاصة في دول البلقان، وكانت حثت الأحد دول الاتحاد الأوروبي على قبول نصيب أكبر من اللاجئين في الوقت الذي تبذل فيه حكومتها جهدا للتعامل مع عدد قياسي يتوقع وصوله هذا العام ويقدر بنحو 800 ألف لاجئ.وتابعت ميركل: "من يحق لهم اللجوء، مثل السوريين، ينبغي توزيعهم في شكل عادل في أوروبا"، قائلة إن "بلدًا مثل ألمانيا، أقوى اقتصاديًا من بلدان أخرى، عليه أن يأخذ حصة أكبر، لكن ثلاثة أو أربعة بلدان من أصل 28 لا تستطيع وحدها تحمل هذا العبء. ليس هذا الاتحاد الأوروبي الذي نرغب فيه".

وخلال "حوار مع مواطنين" في مقاطعة ألمانية، اعتبرتْ المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، أنَّ أوروبا تواجه وضعًا لا يليق بها في ما يتعلق بأزمة المهاجرين. وقالت ميركل -في لقاء نُقل عبر الإنترنت مع مواطنين من مدينة دويسبورج الصناعية، حيث تقيم مجموعة كبيرة من المهاجرين- إنَّ "أوروبا في وضع لا يليق بها.. ويجب قول ذلك بكل بساطة". وقالت: "إن بلادها تستطيع تدبر أمر اللاجئين في العام الحالي دون زيادة الضرائب"، وأوضحت ميركل -في تصريحات لصحف محلية ألمانية- أنه بإمكان ألمانيا مواجهة تدفق اللاجئين والمهاجرين هذا العام، والذي وصفته بـ"القياسي"، دون زيادة الضرائب، ودون تعريض هدفها بتحقيق ميزانية متوازنة للخطر. وأضافت: "إنَّ الحكومة الألمانية تسعى لتطبيق ميزانية تكميلية لتخصيص أموال للاجئين، ولمساعدة البلدات التي تقع في خط المواجهة".. لافتة إلى أنَّ ألمانيا تواجه صعوبة بالفعللتمويل إقامة الوافدين الجدد وتوفير الرعاية الطبية لهم، بحسب "سكاي نيوز". وأوضحت ميركل: "لا نريد رفع الضرائب، ولا يزال هدفنا تسجيل ميزانية متوازنة دون اللجوء إلى دين جديد"، مؤكدة أن أزمة اللاجئين تمثل أولوية الحكومة الآن، لكنها شدَّدت على ضرورة إعادة تصميم المنظومة كلها، وأنه يجب توزيع المهام والأعباء بشكل أكثر عدلًا.

ومن آرائها الجريئة حول الهجرة لألمانيا، قالت -على حفل إفطار مع جمع من مسلمي ألمانيا يونيو الماضي: "إننا لا نعاني من وفرة في الإسلام، بل نعاني من قلة في المسيحية، ولا توجد في ألمانيا حاليًا نقاشات جدية حول الرؤية المسيحية للإنسانية"، وفي مقابلة أخرى مع صحيفة هامبورجرمورجنبوستالألمانية، قالت ميركل: إن هناك نحو 4 ملايين مسلم يعيشون في ألمانيا، كما أنَّ هناك حصصا دراسية في الدين الإسلامي، وهناك أساتذة جامعات في مجال العقيدة الإسلامية، إضافة إلى "مؤتمر الإسلام السنوي" الذي تقيمه وزارة الداخلية الألمانية بهدف تحسين اندماج المسلمين المقيمين في ألمانيا في نسيج المجتمع الأماني". وتابعت: "فالحقيقة أنَّ الإسلام في الوقت الراهن جزء من ألمانيا".

امرأة في قامة ميركل استحقَّت أن تتصدر لائحة أقوى امرأة في العالم للأعوام 2006 و2007 و2008 و2009 و2011. التي تعدها مجلة فوربس الأمريكية، وفي العام 2013، استحقَّت أن تفوز بوسام التميز لأكثر الشخصيات تأثيرا في العالم خلال التصويت الذي دشنه المجلس الدولي لحقوق الإنسان والتحكيم والدراسات السياسية والاستراتيجية. بينما في 2014 توشحت بوسام التميز لأكثر الشخصيات تأثيرا في العالم من قائمة الملوك والرؤساء وكبار السياسيين.

فمع بداية عام 2005، أصبحت ميركل أول سيدة تتولى منصب مستشار ألمانيا وأُعيد تعيينها في المنصب مرة أخرى عام 2009. حيث حصل حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي بزعامتها على أعلى نسبة في الانتخابات النيابية بفارق بسيط أمام الحزب الديمقراطي الاجتماعي بزعامة غيرهارد شرودر في الانتخابات النيابية.

ولم تنخرط في الحياة السياسية إلا بعد سقوط حائط برلين في العام 1989؛ حيث عملت في البداية على المساعدة في ربط أجهزة الحاسوب في مكتب الحزب الديمقراطي الاجتماعي، ثم التحقت فيما بعد بحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي قبل شهرين من توحيد ألمانيا، وانضمَّت بعد توحيد شطري ألمانيا لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي. وبعد إجراء أول انتخابات حرة في عموم ألمانيا الموحدة (الغربية والشرقية) وفي 1990، أصبحت وزيرة لشؤون المرأة والشباب في حكومة المستشار الأسبق هلمت كول وكانت الصحافة الألمانية تسميها في ذلك الحين " فتاة كول" لأنها كانت قريبة منه حزبياً وفكرياً حيث إنه اعتاد أن يخاطبها بشكل أبوي مستخدماً كلمة "فتاتي". بعد أن أتى بها إلى مجلس وزرائه في العام 1991.

ومن اللافت في سيرة ميركل الذاتية -التي وُلدت عام 1954- أنها ليس لها أولاد وتخصصت في دراسة الفيزياء وحصلت على الدكتوراه من جامعة لايبزج وتزوجت مرتينكانت المرة الأولى من أولريش ميركل وهو زميل لها يدرس الفيزياء أيضا وتزوجا فيما بعد في العام 1977م، ولا تزال تحمل لقب عائلته. وأثناء دراستها للدكتوراهفي (الفيزياء الكمية) انفصلت ميركل عن زوجها أولريش في العام 1981 وتم الطلاق عام 1982. وحصلت على درجة الدكتوراه في الفيزياء عام 1986. وأثناء دراستها للدكتوراه عام 1984 تزوجت من أستاذها وزوجها الحالي الكيميائي يواخيم زاورثم عملت ودرست في المعهد المركزي للكيمياء الفيزيائية بأكاديمية العلوم في برلين - ادلرشوف من العام 1978 وحتى العام 1990.

تعليق عبر الفيس بوك