14 عامًا على هجمات الحادي سبتمبر 2001

عبد الله العليان

تصادف بعد أيام قلائل مرور 14 عامًا على هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، على كل من واشنطن ونيويورك، التي اتهم فيها تنظيم القاعدة بتدبيرها، والذي يعتبر تاريخاً جديداً من المواجهة غير التقليدية المعتادة مع الولايات المتحدة، ثمّ قيامه ببعض الهجمات على إسبانيا والمملكة المتحدة بدعوى مشاركتهما في الحرب على أفغانستان والعراق، وهو ما يعني أنّ المواجهة غير التقليدية لا تزال قامت لمدة عقد مع القاعدة، وما تزال، وانتهت باغتيال أسامة بن لادن، زعيم التنظيم، وبعض معاونيه، في باكستان منذ عدة أشهر، والحقيقة أنّ هذه الهجمات كان لها الكثير من الانعكاسات السلبية على العرب والمسلمين في الغرب وفي غيرها من الدول بسبب هذه الهجمات التي أصابت الأبرياء وأحدثت شرخًا بين الشعوب بغض النظر عن السياسات التي تنتهجها بعض الدول الغربيّة ونختلف معها. صحيح أنّ الإرهاب ظاهرة عالميّة، وليست خصيصة إسلاميّة كما يبدو للبعض من أصحاب الأحكام الجاهزة أو النظرة المسبقة تجاه العرب والمسلمين، خاصة من بعض المحافظين الجدد في الولايات المتحدة ـ في فترة حكمهم ـ الذين حاولوا مع اللوبي الإسرائيلي اتهام الإسلام ذاته وتعاليمه، وتجريم كل المسلمين ووصمهم بالإرهاب والتطرف والغلو مع علمهم أن الإرهاب الذي يطال الأبرياء مدان من غالبية المسلمين وأعلنوا رفضهم وإدانتهم له، وهذا ما حصل لتفجيرات لندن الإرهابية بعد ذلك.

والإشكالية أنّ بعض الغربيين ـ وبعضهم من أصحاب النفوذ في صناع القرار في الغرب ـ استثمروا هذه الأعمال المرفوضة وأصبحوا وركزوا على دين الإسلام نفسه بالتشويه والاتهام والتخويف وهذه القضية تثير التوجّس من آراء هؤلاء الخبيثة مع أنّهم يعرفون أن هذه الهجمات مدانة من المسلمين وكانوا أيضًا من ضحايا هذا الإرهاب في الرياض وجدة والقاهرة وشرم الشيخ وفي أماكن كثيرة حدثت.

ويبدو أنّ هذه التصريحات في اتهام الإسلام التعميم الغريب على أهله لم تنطلق عن جهل بحقائق الأمور، أو عدم القصد، أو زلة لسان، لكنّها تصريحات مقصودة لتوصيل رسالة بخلفيّة أيديولوجيّة، من خلال الإساءة إلى العرب والمسلمين، في ظل الاتهامات والإشارات الموجهة إليهم بالإرهاب والتطرف والظلامية والأصولية، وهي اتهامات بالطبع ليست جديدة على خلفيّة تفجيرات نيويورك وواشنطن وكذلك مدريد ولندن، بل إنها قديمة ومستهلكة، لكن يتم استعادتها بسهولة كلما جاءت نازلة هنا وهناك، لكونها نمطية وجاهزة للعرب والمسلمين.

وهذا التجريح الإساءة للإسلام وحضارته فهذا ـ كما قلنا ـ ليس جديداً، لكن الإشكاليّة تكمن في دلالات توقيته المشحون بأزمة التفجيرات وآثارها. وهذا ما يدل على القصدية الدافعة لهذا التصريح. لكن هل هذا هو الرأي الغالب في الغرب تجاه الإسلام وحضارته، وبهذه النظرة الشوفينية والدونية؟ لا طبعا؛ والدليل على ذلك هو وجود الإسلام نفسه في الغرب كجزء منه منذ أمد طويل، أولاً في إسبانيا، ثمّ في البلقان، وكذلك مساهمته في حضارة الغرب. والذي يدعو للأسف أننا دائمًا محل الاتهام، وهو البادئ بالهجوم علينا منذ قرون ليس بغزو واحتلال فحسب، بل أيضاً بتوجيه الاتهامات التي ما أنزل الله بها من سلطان. فهذا الدين في نظره دين عنف وإرهاب، واحتقار للمرأة، وضد الحرية والتعددية، محاربة العقل والإبداع. ولا يعترف بحقوق الإنسان، ويناهض الديمقراطية والرأي الآخر، ويخلط بين الدين والدنيا، وهو ما يجعل التطرف والغلو ينمو عند البعض، مع هذه المعايير والمقاييس غير العادلة واختلط عليها الأمر ولم تعد تفرق بين الصواب والخطأ.

وهذه القائمة الطويلة من الاتهامات نجدها منتشرة في الكتابات الصحفية، وعند أقلام الباحثين، وعلى ألسنة السياسيين، ثم يرددها رجل الشارع في الغرب، مما يدل على أنّها أيديولوجيا موجهة قوامها الإساءة للإسلام وإسناد أسوأ الصفات به ابتداءً بفولتير وانتهاءً ببيرلسكوني، وما هذه كلمة العقلانية المنصفة إلا لتحجيم هذه الحملة المغرضة التي قد تخلق الكثير من الأحقاد والعداء، وخاصة أنّ المسلمين أصبحوا بالملايين كمواطنين في المجتمع الغربي.

صحيح أن هناك الكثير من الموروث السلبي بيننا وبين الغرب، لكن معظم هذا الموروث خضع لمغالطات وأحكام غير دقيقة لا سيما من الغرب. لكن المسيحية الكنسية في الغرب وشريحة مؤثرة من مؤسسات صناعة القرار، لا تقابل إلى الآن نظرة العرب والمسلمين للمسيحية ونبيها، بنفس النظرة العادلة والفهم الإيجابي للرسول (صلى الله عليه وسلم) والديانة الإسلاميّة. والأخطر في الظروف الراهنة هي في تعميم الاتهام للعرب والمسلمين، وتأجيج المشاعر، وترديد مقولات التهديد الإسلامي، واتهامهم بالإرهاب المتأصل في عقلياتهم خاصة على العرب والمسلمين في الغرب الذين أصبحوا تحت المجهر والتوجس والمراقبة وتضخيم ما يقومون به من آراء ونشاطات معينة تندرج تحت الحرية والديموقراطية وقد قرئت لبعض الكتاب العلمانيين مقالة بعنوان (لا حرية لأعداء الحرية) !! وهو ما يعني حرية المسلمين في الغرب أو بعضهم، مع القانون هو الفيصل والذي يستطيع تجريم الأفعال من تبرئتها، والقضاء في الغرب معروف بنزاهته في الغالب الأعم، فأي موقف سلبي يصدر من بعض العرب على وجه الخصوص، وإن كان لا يمثل الغالبية منهم، فإن بعض دوائر ومؤسسات صناعة القرار في الغرب، تستعيد فوراً مقولة الخطر الإسلامي، وحتمية صدام الحضارات التي أطلقها صامويل هنتنغتون في القرن الماضي.

فالقتل العشوائي مدان من الكل من حيث المبدأ الذي يتفق عليه الجميع. فإنّ هذا الفعل لا يقره الإسلام، ولا تجيزه القيم الدينية أو الأعراف الأخلاقية، ولن يحقق أهدافاً إن كان أصحابه يهدفون إلى شيء من فعلتهم هذه. إلى جانب أنّ هذه الأعمال سوف تضر بالقضايا العربية والإسلاميّة، وتزيد المتاعب للجاليات والمواطنين المسلمين في شتى أنحاء العالم الغربي. وقد بدأت في المملكة المتحدة الكثير من القوانين واللوائح التي سوف تساهم في تقليل النشاط الدعوي والاجتماعي والحريات العامة نتيجة هذه الأعمال الإرهابيّة التي نالت الأبرياء، واستفادت منها الدول نفسها لأسباب عديدة، وكذلك اللوبي الصهيوني الذي كان يحذر الغرب من وجود المسلمين على أراضيه، وتحقق لهم ما كان يهدفون إليه.

بعد عقد على هذه الهجمات، لابد من المراجعة العقلانيّة ما حصل بعد هذه الهجمات، فلا استفاد تنظيم القاعدة من هذه الهجمات المرفوضة على الأبرياء، ولا الولايات المتحدة أصابت في حروبها انتقامًا من هذه الهجمات، لذلك يجب على أهل العقول النيرة والحصيفة المراجعة في كوكبنا أن تناقش قضايا العدل، التوازن، والحقوق الإنسانيّة، ففي غياب هذه المعايير فإنّ الحروب والتوترات ستظل قائمة وستزيد في غيابها وإهماله، لكن للأسف أنّ التوترات والصراعات لم تعد قائمة بيننا وبين الغرب، فقد أصبحت الصراعات والحروب داخلية بيننا، بفعل التطرف والغلو نفسه اتهمه الغرب، وهذا يعني أنّ خللا كبيرًا لا يزال مستحكمًا في بنيتنا الفكرية.. وللحديث بقيّة.

تعليق عبر الفيس بوك