المهاجرون.. ضحايا الإنسانية على أعتاب أوروبا

"المتوسط" يبتلع 2600 شخص منذ اندلاع الأزمة.. والضمير الأوروبي في اختبار "صعب"

المخاوف من "اليمين المتطرف" تضع الاتحاد الأوروبي في مرمى الانقسام

"كالمستجير من الرَّمضاء بالنار".. هكذا تبدو حال الآلاف من المهاجرين غير الشرعيين في أوروبا، تلك القارة العجوز التي تشهد أسوأ أزمة مهاجرين منذ الحرب العالمية الثانية؛ جراء تزايد أعداد الفارين من جحيم الحروب والصراعات الدائرة ببلاد الشرق الأوسط وإفريقيا بحثا عن الأمان.

وفي حين تُشير الإحصاءات إلى 350 ألف شخص نزحوا إلى حيث أرض الأمن والاستقرار -ابتلع البحر المتوسط منهم 2600 مهاجر- تقف الحكومات الأوروبية في موقف لا تُحسد عليه، سيما بعد أن تخطى الأمر "الحلول السياسية"؛ ليمثِّل امتحانًا صعبًا للضمير الأوروبي، فضلا عن أن "السرعة" التي تنتشر بها الأزمة تمثل بالفعل تهديدًا حقيقيًّا للقارة البيضاء التي تجد نفسها منقسمة إزاء العديد من الخيارات المنطقية للتعامل مع الأزمة، إلا أنها تبقى غير قادرة على الاتفاق على أي من تلك الخيارات.

الرُّؤية - هيثم صلاح

وعلى ما يبدو أن انعدام التوافق بين الحكومات المتخوفة من الأحزاب اليمينية الشعبوية، وضع المزيد من العراقيل أمام الجهود الرامية لإعادة توزيع اللاجئين على دول الاتحاد الأوروبي بسبب؛ خصوصا بعد توقف إجراءات الحد من تدفق طالبي اللجوء من دول المصدر في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؛ مما تعني أنه لا توجد حكومات مستقرة يستطيع الاتحاد الأوروبي التعامل معها لمعالجة هذه الأزمة.

ومع غياب أي حل في الأفق، تلجأ الدول الأوروبية كذلك إلى إجراءات لمنع دخول اللاجئين اليائسين إلى أراضيها، مثلما فعلت المجر التي أقامت سياجا شائكا هائلا على حدودها مع صربيا.

وفي رأي مسؤولين وخبراء، فإن دول الاتحاد الأوروبي باتت مطالبة بالتحرك وبسرعة قبل أن يخرج الوضع عن السيطرة؛ حيث لا تلوح في الأفق نهاية للحروب والقمع السياسي الذي يدفع المهاجرين إلى الفرار من بلدانهم. وبرزت المخاوف التي تدعو إلى التحرك مجددا خلال الصيف الذي شهد إلقاء الشرطة المقدونية الغاز المسيل للدموع على المهاجرين، وتسجيل المجر لأعلى عدد من المهاجرين في يوم واحد بلغ ألفين ومائة مهاجر، فيما قادت برلين الطريق؛ حيث أعلنت أنها تتوقع استقبال 800 ألف طالب لجوء في 2015، وهو العدد الذي يزيد على جميع دول الاتحاد الأوروبي مجتمعة، بيد أن خطة من 10 نقاط كشفت عنها برلين مؤخرا بشأن المهاجرين تشير إلى إحباطها من باقي أوروبا، وتدعو إلى "التوزيع العادل" للاجئين في أوروبا وتبني "نهج مشترك" بشأن الضوابط الحدودية.

وبحسب العديد من التقارير الدولية، تبقى المشكلة في أن حكومات أوروبا -من بريطانيا وحتى السويد- تواجه تحديا من التيار اليميني والأحزاب المناهضة للهجرة التي تجعل أية خطوة إضافية لاستقبال مزيد من المهاجرين ضارة بالحكومة، مع الوضع في الاعتبار أن الظروف الاقتصادية والمخاوف الأمنية. واكتفت أوربا حاليًا بعملية (EUNAVFOR) في مياه البحر المتوسط، لصد مهربي المهاجرين، وفي المرحلة الثانية، قد تُوسِع العملية لتشمل البحث وتحويل السفن.

 

"شاحنة النمسا"

وفي السياق، نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، تقريرا مطولا، قالت فيه بأن المهاجرين غير الشرعيين نحو أوروبا باتوا أزمة تستأثر باهتمام عالمي كبير، خصوصاً بعد واقعة "شاحنة الموت" في النمسا، والتي أودت بحياة 71 شخصاً.. وأكدت على أن أوروبا تواجه اختباراً صعباً للقيم التي بني عليها الاتحاد الأوروبي، وفي مقدمتها الحدود المفتوحة بين دول الاتحاد الأوروبي.. موضحة أنَّ الدول الأوروبية لا تزال إلى الآن عاجزة عن استقبال اللاجئين بشكل مُنظم، وكلما تأخرت هذه الدول في إيجاد حل عملي للتعامل مع الملف، فإنّ عدد اللاجئين يرتفع بشكل "مهول"، معتبرةً أن "الأزمة تتفاقم، ومع ذلك، فالدول الأوروبية تحاول أن تغلق حدودها في وجه اللاجئين والمهاجرين، عكس مبدأ حرية تنقل الأفراد بين دول الاتحاد الأوروبي، التي أسس عليها الاتحاد الأوروبي". واستدلت الصحيفة على الطريقة التي تتعامل بها الدول الأوروبية مع أزمة المهاجرين، بإقدام النمسا على اختراق الحدود الهنغارية، وذلك من أجل توقيف عدد من السيارات، التي كانت تقل مهاجرين غير شرعيين، واصفةً الأمر بـ"الارتجالي والمضطرب"، معتبرةً أن هذا الوضع "لا يمكن أن يستمر إلى ما لا نهاية".

ولفت التقرير إلى أنّه "على الرغم من تبرير الدول الأوروبية للتضييق على حرية التنقل بين الدول الأوروبية بكونها ترغب في الحفاظ على حياة اللاجئين، إلا أن هذا يعطي انطباعاً بأن التقليص من هامش حرية الانتقال بين الدول الأوروبية، أصبح سياسة ممنهجة"، مذكرةً بأنه تم مؤخرا "توقيف قطار على الحدود الهنغارية مليء باللاجئين القاصدين ألمانيا، وبعد ساعات تم السماح لهم بالمرور، بطريقة غامضة، وهذا دليل على أن الدول الأوروبية مازالت تحت وقع الصدمة".

وتحدثت الصحيفة عن "اتساع هوة الخلاف بين الدول الأوروبية، ووجود ثلاثة تيارات داخل الاتحاد الأوروبي للتعامل مع هذه الأزمة؛ ذلك أن دولاً مثل اليونان وهنغاريا والنمسا تدعو إلى إجراءات جديدة لمراقبة الحدود، وأن تتحمل الدول الغنية في أوروبا العبء الأكبر في استقبال المهاجرين، بينما ترى دول أوروبية أخرى وعلى رأسها ألمانيا أنه يجب إعادة توزيع عدد اللاجئين بين الدول الأوروبية وتعبر عن امتعاضها من تحمل الجزء الأكبر من هذا الملف، في حين ترفض دول أخرى أن ترفع من عدد اللاجئين القادمين إليها".

تعليق عبر الفيس بوك