حلم عُماني مزعج!

أحمد الرحبي

ما زالت السيارة تشكِّل حلمَّ كل شاب عُماني؛ حيث يظل يلح هذا الحلم على الشاب وهو لا يزال على مقاعد الدراسة؛ فيدغدغ مشاعره بامتلاك سيارة خاصة أسوة بالآخرين، وكلما اقترب من مرحلة التأهل للانخراط في سوق العمل، يبدأ إلحاح هذا الحلم يتصاعد لديه وتزداد وتيرة الدغدغة بالتالي لمشاعر هذا الشاب، وصولا إلى درجة أن يتعدَّى الأمر لديه من كونه مجرد حلم بالإمكان تجاوزه والتعويض عنه بآخر، إلى هدف وطموح لا يقبل التأجيل أبدا؛ فتكون السيارة على رأس الأولويات المنذور بخدمتها راتب الشاب العُماني منذ أول شهر يتم فيه استلام الراتب وإلى ما شاء الله.

ما الذي يجعل السيارة بمثابة الحلم لمعظم الشباب العُماني؟.. إنه سؤال يطرح نفسه في ظل وضع مأساوي بات يعيشه المجتمع العُماني جراء حوادث السيارات التي أخذت تشكل الخسائر في الأرواح الناتجة عنها في الفترة الأخيرة أرقاما مقلقة تؤرق السِّلم والاستقرار الاجتماعيين الذي يعتبر سمة بارزة للمجتمع هنا؛ فالسيارات وحوادث الطرق المتسبِّبة بها باتت مسؤولة عن أفدح الميتات التي يذهب ضحية لها أعداد كبيرة من أفراد المجتمع، فلا يكاد يمر يوم واحد لا تسمع فيه خبرا عن وقوع حادث سير فقدت فيه أرواح بريئة وعُرِّض ناس أبرياء فيه للخطر وما ينتج عنه بعد ذلك من إصابات تخلف إعاقات بدنية قد تمتد العمر بطوله.

لا تدَّعي هذه المقالة في الحقيقة الإجابة عن السؤال المحوري هذا أو تقدم الحل للإشكالية التي يطرحها، لكن في الوقت نفسه هي لا تهرب من محاولة مناوشته والتفكير به على ضوء المعطيات التي يفرضها الواقع المعاش.

ومن ضمن هذه المعطيات التي لها أهميتها هي أن استقبالنا للسيارة كوسيلة عصرية حديثة، قد حدث أو جاء متلازما مع منعطف زمني وتاريخي عاشته البلاد في 1970، والذي أدَّى بعد ذلك إلى إحداث نقلة اجتماعية وحضارية غيَّرت وجه الحياة في المجتمع العُماني إلى الأبد، وبالنظر إلى أن أبرز ما ميز هذه النقلة الاجتماعية والحضارية هو الاستعجال الحثيث ربما وغير المتوازن لمعانقة الحداثة والعصرنة؛ مما أفضى بهذه المعانقة المتعجلة للحداثة والعصرنة إلى أن تتردى في جانب منها في شكل من أشكال النمط الاستهلاكي في ممارسة الحياة، الذي يعني بعبارة موجزة عدم الاهتمام كثيرا باستيعاب الحداثة كثقافة للحياة وعيش العصرنة كسلوك يترجم به الفرد قناعته بها، بقدر ما هو عيش حداثة العصر في جانبها المادي البحت.

فكانت السيارة هي السلعة الأبرز والأخطر في الوقت ذاته، التي أقبل المواطن العُماني على اقتنائها بشكل مسرف؛ حيث كانت المداخيل العالية للفرد التي أتاحتها الطفرة النفطية التي امتدت منذ السبعينيات وإلى منتصف التسعينيات تشجع على ذلك. وفي الوقت نفسه، فإنَّ شركات صناعة السيارات العالمية الكبرى كانت قد استحوذت على مجتمعات منطقة الخليج كأسواق مؤممة لها منذ بداية هذه الطفرة النفطية التي عمت المنطقة بأسرها، فاستفادت من هذا الإقبال المحموم على السيارات وشجعته بقوة، فكانت السيارة بمثابة الاكتشاف العصري لدى سكان المنطقة الذي لا يوازيه اكتشاف آخر دهشة وإعجابا بما تتيحه السيارة من طي للمسافات واختزال للزمن وسط جغرافيا صحراوية شاسعة، اعتادوها مبسوطة كراحة الكف أمام ترحلاتهم وتنقلاتهم التي مارسوها في السابق بكل البطء والتلكؤ الذي يميز السفر والانتقال على ظهور الجمال والدواب، فما إن لاحت السيارة في الأفق حتى استقبلوها دون سابق تجربة معها وبسرعة قصوى لم تتح حتى إمكان فرز ثقافة معها. كانت السيارة -هذه الخرافة التكنولوجية- وسيلتهم المعممة، ربما للثأر من مسافات شاسعة عانوا في السابق من مشاقها أيما معاناة!

وإذا كانت السيارة لا تزال تشكل لكثير من العائلات العُمانية ذلك الحلم المزعج -سواء من حيث التعلق بها كسلعة أو كوسيلة تتعدَّى كونها تساعد على التنقل وقضاء الحوائج في المشاوير القصيرة والطويلة على الشوارع والطرقات، إلى تشكيلها غاية في حد ذاتها، أو من حيث الكلفة الفادحة من الأرواح والإصابات البليغة بسبب الحوادث على الطرقات التي تنتج سنويا عن السيارات- فإننا نتخوف مع رفع الدعم عن الوقود الذي يجري الآن بحث تنفيذه في مطلع السنة المقبلة؛ كأحد الإجراءات التوفيرية في ميزان المدفوعات في ظل التدني الحاد لأسعار النفط في الأسواق العالمية، من أن يشكل امتلاك سيارة خاصة لكثير من العائلات العُمانية كابوسا حقيقيا؛ وذلك نتيجة لما سيشكله ثمن الوقود في حالة رفع الدعم الحكومي عنه، من عبء كبير على ميزانية مصاريفهم الشهرية.

تعليق عبر الفيس بوك