"نفحات على أرض عرفات" يوجه الحجاج إلى كيفية حسن توظيف الوقت المشاعر المقدسة

بالدعاء لصلاح النفس والأهل ونصر الإسلام والمسلمين ورفعة الوطن

 

 

البوصافي: التخطيط السليم وتنظيم الوقت في عرفة دليل على حرص المسلم على تعظيم شعائر الله

 

 

 

الرؤية-مالك الهدابي

 

صدر للشيخ راشد بن سالم البوصافي الباحث الإسلامي بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية كتاب بعنوان "نفحات على أرض عرفات"، ويقول في مقدمة الكتاب إن الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة، بحسب ما ثبت عن رسول الله في السنة الصحيحة، فالحج من أعظم العبادات التي يتقرب بها الإنسان إلى الله تعالى، وهو من شعائر الله تعالى العظام وتعظيمها تعظيم لله تعالى الذي أمر بتعظيمها ليكون ذلك التعظيم دليلاً على تقوى القلوب.

 

ويؤكد البوصافي أن يوم عرفة من أعظم أيام الحج بل من أعظم أيام الدنيا بأسرها، فهو أعظم يوم طلعت فيه الشمس وغربت، يوم التوبة والمغفرة والإنابة والمغتسل، يوم له ما بعده يفوز فيه من يفوز ممن قد عظَّمه وأدى الحق الذي شرع فيه على الوجه المشروع، وفيه يخسر من لم يعظمه ولم يعطه حقه ولم يؤدِّ ما عليه على الوجه المشروع، فكان لزاماً على الإنسان الحاج الواقف في عرفة أن يستغل هذا الوقت من أول دقيقة إلى آخر دقيقة، فهو وقتٌ لا يفوته عاقلٌ تقيٌ، ومن لم يُخطط للنجاح والفوز في يوم عرفة فقد خطط للفشل والتقصير، وخرج من عرفة خائب الأمل صفر اليدين غير مرتاح الضمير، فكيف نستغل يوم الوقوفبعرفة ؟.

ويعنىكتاب "نفحات على أرض عرفات"الذي سبكته أنامل الشيخ راشد بن سالم البوصافي الباحث الإسلامي بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية لحجاج بيت الله تعالى الحرام، بشرح الكيفية الصحيحة التي يستطيع من خلالها الحاج استغلال كل دقيقة في وقف عرفة، بل يكتسب من خلاله الآلية التي يستغل وقفه في عرفة من أول دقيقة إلى آخر دقيقة، فالكتاب بالجملة مقسم إلى فصلين اثنين فصل التنبيهات المهمة، وفصل تقسيمات الوقت حسب الأذكار والأدعية.

ويبدأ الكتاببمقدمةٍ ذكر فيها الشيخ أهمية وقف عرفة وفضله العظيم الذي لا يخفى على أحد وأنه يبدأ من بعد الزوال إلى غروب الشمس، يكون الإنسان فيه منقطعاً للعبادة والدعاء والضراعة، ثم ذكر تنبيهات عديدة ينبغي للحاج مراعاتها قبل الوقوف بعرفة في اليوم التاسع وقبل الدعاء ليكون عمله مظنة القبول ودعاؤه مظنة الإجابة، وذكر منها ضرورة استغلال الوقت في عرفة وتقسيمه وتنظيمه بالتخطيط الجيد، ليحقق الإنسان أكبر قدر من الأهداف والمآرب التي يريد تحقيقها، فإن الحاج جاء إلى هذه البقاع الطاهرة والعراص المباركة من أماكن متعددة وأقطار شتى، مخلفاً وراءه كل شيء، ترك الأهل والأولاد والأحباب والخلان، وجاء إلى الحج يجأر إلى الله تعالى بالتلبية وإجابة نداء الله تعالى بالحج وجاء للتوبة من كل حوبة وخطيئة، يسأل الله تعالى فكاك رقبته من عذابه، جاء وقد أصابه التعب والنصب في السفر وبذلما يملك من الأموال الطائلة والنفقات الباهضة من أجل الحج، فحريٌ بهذا الانسان ألا يفسد ذلك كله بعدم تعظيم الشعائر الحرام والمشاعر العظام وحرمات رب العالمين التي أمر بتعظيمها، وذلك بعدم المبالاة في أداء الواجب على الوجه المشروع،ومن التنبيهات أيضاً ضرورة عقد النية القلبية على امتثال ركنية هذا الوقوف وأن يكون خالصاً لله تعالى وحده[ أي مستقيمين على دينه.

وشدد الشيخ على أهمية الوضوء واستحبابه حالة الدعاء وأنه يبعث النشاط والتجديد في همة الإنسان، مع التنبيه أن انتقاض الوضوء لا يؤثر على صحة الوقف والدعاء لعدم اشتراط الطهارة للوقف وللدعاء، ثم ذكر أهمية الانفراد والخلوة بالنفس للدعاء، والخلوة والانفراد لا يلزم أن يبعد الإنسان المكان وإنما يكفيه أن يجد مكاناً ينزوي فيه ويشتغل بأمر دعائه دون أن يشتغل بغيره من النّاس، وعليه أن يشتغل بنفسه فقط ولا يشتغل بالناس وأنظارهم، وكذلك لا يشغل الناس بصراخه ورفع الصوت بالدعاء فإنّ الله تعالى قريب مجيبفنناجيه سبحانه وتعالى بكل أدبٍ وافتقارٍوبكاءٍ ودموعٍلا بصراخٍ وعويلٍ، مما يسبب إزعاج الناس ويخل بآداب الدعاء فليس ذلك من فقه الدعاء في شيء، وكذلك عليه أن يتحلى بالهدوء والسكينة في الدعاء وطلب الحاجات من الله تعالى قاضي الحاجات ومجيب الدعوات فإن الله تعالى أحق من يتأدب بين يديه، وعليه كذلك أن يخلص هذا الدعاء وهذا العمل لله تعالى وحده لا شريك له فيه، فيبعد عن طلب الشهرة والسمعة والثناء من الناس وليفتش قلبه بين الحين والآخر حتى لا يتسلل إليه شيء من هذه الأمور فيكون مرائياً مغروراً فيخسر كل شيء، وعليه أيضاً أن يصفيَقلبه من كل عوالق الآثام والأمراض القلبية، فلا يقف بعرفة إلا وقد طهَّر قلبه من الحقد والحسد والغل تجاه الناس وليقف بعرفة وهو لا يحمل على أحدٍ من الناس ضغناً ولا حقداً ولا حسداً، ليقف وهو منشرح الصدر طاهر القلب، وعليه أيضاً أن يتوب إلى الله تعالى من كل معصية وذنب ارتكبه كبيراً كان أو صغيراً،ويعقد العزم الأكيد على عدم الرجوع إليه فيما بقيَ له من عمر وحياة، فلا يقف الإنسان بعرفة ويدعو وهو مصرٌ على براثن الذنوب وكبائر المعاصي فلن يجد جواباً لدعائه والباب مغلق مسدود أمامه، فلا يحرم الإنسان نفسهبإصراره على ذنوبه من إجابة الدعاء في ساعة لا يرد فيها دعاء العباد، وعلى الحاج أن يوقن بالإجابة من الرب الكريم فلا يجوز له أن يظن بالله تعالى سوءاً ما دام أخلص لله تعالى في دعائه وتاب من كل ذنوبه وتخلص من تبعات سيئاته فإن الله تعالى يقبل توبة التائب ويمحو حوبته ما دام تاب إلى الله تعالى توبة نصوحاً.

ومما يجب التنبه له أن الحاجَّ الواقف في عرفة يدعو الله تعالى بما يحتاجه بنفسه ولا داعي إلى قراءة كتاب للأدعية كتبه غيره بل عليه أن يسأل الله تعالى بما يحتاجه هو، ولا داعٍ كذلك إلى قراءة أجزاء من القرآن الكريم فإنّ ذلك الوقت ليس وقتاً للتلاوة وإنما هو وقتُ دعاء وضراعة كما ثبت ذلك من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وخير الهدي هديه، مع عدم المنع من ذلك شرعاً إلا أن الفضل كل الفضل في الذكر والدعاء والتلبية والاستغفار والإكثار من الصلاة على النبي، كما يجب على الإنسان في ذلك الموقف الافتقار والتواضع لجلال الله تعالى والانكسار بين يديه وليسأل الله تعالى من خزائنه التي لا تنفد ويلح في المسألة والدعاء أي يكرر ذلك مرات كثيرة ليظهر الرغبة والحاجة التي في نفسه إلى كرم الله تعالى وعظيم نواله.

وبعد ذكر التنبيهات المهمة قبل الوقوف بعرفة وقبل الدعاء تطرق المؤلف في كتابه إلى ذكر تقسيمات الأذكار وكيفية التدرج فيها حسب ما استحبه أهل العلم في ذلك المقام، فيبدأ الحاج أولاً بالتسبيح والتحميد والتمجيد لله تعالى مرتباً ذلك حسب ما ورد في السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وليجعل المرء لذلكمن الوقت قرابة (40 دقيقة)، ثم يثني بذكر أسماء الله تعالى الحسنى وصفاته العلى، يأتي بكل ما يحفظ من الأسماء والصفات قدر مستطاعه، وليصحبها بياء النداء مع اسم الجلالة (الله)، ويجعل لذلك وقتًا كافياً حتى يرقَّ قلبه وتزكو نفسه، ثم يأتي بأفضل ما قيل من ذكرٍ في وقف عرفة فيأتي بالذكر الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم والأنبياء من قبله كما جاء ذكر ذلك في هذا الكتاب، ثم يأتي بصيغ الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والإكثار منها في وقت طويل لما ثبت عن النبي من فضلها حيث يقول: " فإنه من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشراً".

ويستمر الكتاب في ذكر كيفية استغلال الوقت وتقسيمه في وقف عرفة، مع ذكر شيء من الفوائد واللطائف،وعلى الإنسان أن يستغل الوقت الأخير من ذلك اليوم أي وقت ما قبل الغروب يستغله في الدعاء الجامع الشامل يختم به يومه ويسأل الله تعالى المغفرة والتوبة والسلامة من كل إثمٍ فيما بقيَ له من عمر، فإن فعل الإنسان الحاج كل ذلك وجد في النفس الراحة والاطمئنان والسكون إلى أنه أدى ما عليه من الواجب الشرعي وليسأل الله تعالى بعد ذلك القبول والإجابة.

 

وفي خاتمة الكتاب وجهالمؤلف بعص النصائح لمريد الوقوف بعرفة وتشجيعه على الاسترشاد بهذه المقترحات المذكورة في طيات هذا الكتاب، مع التشجيع على الإبداع في تنظيم الوقت في عرفة كل إنسان حسب مهاراته وأفكاره ولا يلزم الالتزام بهذه المنهجية المذكورة، فالغرض والهدف هو كيفية استغلال وقف عرفة من أول دقيقة فيه إلى آخر دقيقة، ولكل واحدٍ طريقته ومنهجيته والغاية واحدة.

 

ويأتي كتاب (نفحات على أرض عرفات) في 64صفحة بإخراج فني مميز وجهد ظاهر، تعاونت أيادٍ بيضاء في كتابته وتصميمه وإخراجه ومتابعة طباعته، وها هو يخرج بحلته القشيبة ليكون في متناول كل حاج يريد استغلال وقف عرفة العظيم الاستغلال الأمثل،ودعا المؤلف بعثة الحج العمانية وأصحاب حملات الحج لاقتناءالكتاب المفيد ونشره وتوزيعه على الحجاجلينتفعوا به.

تعليق عبر الفيس بوك