هل المجتمع يصادر الفكر؟

صالح البلوشي

نشر الكاتب علي المطاعني مقالا في جريدة "الرؤية" بتاريخ 22/8/2015 تحت عنوان "المجتمع يُصادر الفكر"؛ ردَّ فيه على بعض التعليقات التي نُشرت في مواقع التواصل الاجتماعي حول بعض مقالاته التي نُشرت مؤخرا في الجريدة المذكورة، خاصة المقال الذي تحدَّث فيه عن الإجازات، والآخر عن رفع الدعم عن المحروقات.

تضمَّن المقال كثيرًا من الأفكار الإيجابية التي تطرَّقت إلى نقد بعض أشكال تعاطي الرأي العام مع المقالات التي تنشر في الصحف أو المواقع الإلكترونية؛ التي تتضمَّن أحيانا نقدَ الكاتب بلغة تحقيرية لا علاقة لها بالنقد المنهجي، بينما ينبغي أن يكون النقاش فيها بلغة نقدية بعيدا عن التسقيط والتشكيك والتخوين والاتهام بالتطبيل. ولكن، ينبغي الإشارة في الوقت نفسه إلى أن الكاتب -من وجهة نظري- جانبه التوفيق في عنوان المقال؛ الذي اتهم فيه المجتمع بمصادرة الفكر؛ فالمجتمع حسب المفهوم السوسيولوجي كما يُعرّفه الكاتب إبراهيم حسن في مقال له نُشر في موقع "الحوار المتمدن" الإلكتروني: "عبارة عن مجموعة من الأفراد تسكن في بقعة جغرافية واحدة وتشترك في خصائص معينة"، وتشير موسوعة علم الانسان إلى أنَّ المجتمع بصورةٍ عامة يشير إلى جماعة بشرية كبيرة العدد نسبياً، ومستقلة نسبياً ولدى أفرادها القدرة على الاستمرار من الوجهة السكانية. كما يتسم بقدر من الاستقلالية في تنظيم العلاقات الاجتماعية". والمجتمع -كما نعلم- يضم شرائح مختلفة من البشر ذوي مستويات مهنية وثقافية واجتماعية مختلفة، ومن الخطأ القول بأنَّ هذه المجموعة البشرية التي نطلق عليها مصطلح المجتمع يصادر الفكر؛ فالمجتمع لا يملك سلطة قانونية لمصادرة الفكر؛ وإنما يتعامل مع الأفكار من وجهة نظره الخاصة التي تختلف من شخص إلى آخر؛ فالمجتمع اليوم لم يعد كالأمس، والصحف والمقالات لم تُعد كالسابق تقرأ بواسطة فئة ثقافية معينة فقط؛ وإنما أصبحت بفضل مواقع التواصل الاجتماعي تنتشر بسرعة البرق، وتصل إلى القارئ قبل أن يُنشر في الصحيفة اليوم التالي؛ بحيث أنَّ التعليقات الإيجابية والسلبية تكون بين يدي الكاتب قبل المقال نفسه، ومواقع التواصل الاجتماعي -كما يعلم الجميع- فيها الغث والسمين، والجيد والسيئ؛ لأنَّ من يكتب فيها يمثلون مستويات ثقافية مختلفة؛ فتجد هناك من يناقش المقال بطريقة منهجية ويبيِّن جوانب الصواب والخطأ فيه -حسب وجهة نظره- دون أي تجريح للكاتب، أو حكم على نواياه، وهناك من يرفض المقال برمته، ويتهم الكاتب باتهامات شتى وربما تخوينه أيضا، وهناك من يتهم الكاتب بالتطبيل للحكومة وأن له في المقال "مآرب أخرى"، وهكذا... لذلك؛ لا يُمكن أن نضع الجميع في سلة واحدة ونتهمهم بمصادرة الفكر.

أتفق مع الكاتب في قوله 'ن: "الكاتب يتحسَّب لرقابة المجتمع، وماذا سيُقال عنه لو انتقد سلوكيات مجتمعية أو طالب بسن تشريعات أو فرض رسوم أو ضرائب لمصلحة البلاد"، ولكن كنت أتمنى من الكاتب أن يختم تلك الجملة بهذه العبارة "لمصلحة البلاد من وجهة نظره"؛ على اعتبار أن ما يراه الكاتب فيه مصلحةٌ للبلاد يراه آخرون غير ذلك، بغض النظر عن رأينا في من يمثل مصلحة البلاد فعلا؛ لأن القضية تخضع للاجتهاد البشري ولا يستطيع أي شخص أن يدَّعي أن رأيه يمثل مصلحة البلاد ورأي الآخر لا يمثل ذلك"، كما أن معظم هذه الآراء تخضع أيضا للتحيز، فلا وجود هناك للموضوعية المطلقة في الآراء، وربما يتوهَّم الإنسان أنه يسعى لطلب الحقيقة أو مصلحة الدولة العليا، ولكنه يتَّجه لا شعوريا إلى العاطفة والتحيز -سواء للحكومة أو المواطنين- ولا يعني ذلك أنَّ الحقيقة تكون عند أحد الطرفين، فربما يحمل كل طرف جزءا من الحقيقة، لذلك فلا معنى لاتهام كل طرف بأنه يصادر رأي الآخر. ثم إنَّ هذه العبارة بالذات قد يعتبرها البعض مصادرة لفكر الآخر المختلف في الرأي، واتهام مباشر للمجتمع بأنه يرفض المقالات التي تُكتب للصالح العام، بمعنى أن الكاتب الذي يتهم المجتمع بمصادرة الفكر هناك من يرى أنه مارس نفس الفعل أيضا تجاه كل رأي يخالف رأيه. وأما قول الكتاب: "لذا تجده يتوجَّس من طرح هذه الأمور، تلافيا لردة الفعل المتوقعة وللأوصاف التي يمكن أن تطلق عليه في مواقع التواصل الاجتماعي التي ما أنزل الله بها من سلطان لوقعها وحجمها عليه، والكثير منها يؤسف عليه بأن يصل الحال بنا إلى هذه المستويات في التخاطب والتعاطي بعد خمسة وأربعين عاما من العلم والمعرفة"؛ فهو واقع موجود فعلا للأسباب التي ذكرناها قبل قليل، وأذكر أن المفكر الإيراني الراحل مرتضى المطهري وصف رأي الجمهور بـ"حكومة العوام"، وقال بأنه يلعب دورا سلبيا جدا في تخوف العلماء الكبار من طرح رأيهم الصريح في كثير من القضايا الجدلية، ولكن ذلك لا ينحصر في العامة فقط؛ وإنما في كثير من المثقفين أيضا؛ الذين يتهم كثير منهم أي رأي مخالف لهم بأنه ينطلق من دوافع شخصية أو أجندة خاصة. وكما أن هناك من يتهم السلطة بأنها تصادر الفكر، وهناك من يتهم المجتمع بذلك أيضا، فهناك من أصحاب الأقلام من يصادر الفكر أيضا، وكلها تحت عنوان "مصلحة الوطن".

تعليق عبر الفيس بوك