وأد البنات (1)

أمل السعيديَّة

أُفكر هذه الأيام في النساء الوحيدات في بلد كهذا، وفي النساء اللائي تبدون في الظاهر غير وحيدات لكنَّهن في واقع الأمر يتعرَّضن لأشد أنواع الاستلاب وطأة. لا أستطيع أن أمشي وحيدة بجانب البحر، ولا الذهاب للجبل، ولا حتى مُتابعة المطر، كما يفعل بعض الرجال هنا عندما تمطر. إنْ كنتُ سأفعل هذا كله فلابد أن أفعل باسم الصفة الاجتماعية التي أخضع لها. بصفتي زوجة، وأمًّا، وأختًا، وصديقة...إلى آخره. في الوقت الذي أتجرَّد فيه من هذه الصفات، لأظهر بأنني التي تشق طريقها في هذا العالم مثل أي ذات أخرى، أخرج من دائرة الأمان وأفقد نصيبي فيه، أصبح مهددة من كل شيء وفي كل وقت، أصطدم بحاجز كبير يحول دون إمكانية تحقيق البديهيات في أسوأ الأحوال. لم نذق طعم الحرية يوماً، وأعرف تمام المعرفة أنَّ هذه الكتابة ستكلفني الكثير، خصوصا عند أولئك الذين يربطون الدعوة للتحرر بالتغريب والفساد والانحطاط الأخلاقي، لكنَّني مُصرَّة على خوض غمار هذا الطريق، لأنال شرف التوكيد على حقي في أن أوضِّح الصورة الملتبسة حول ما يتعلق بهذه القضية.

... إنَّ هنالك قصصاً مُثيرة للعجب في هذا المجتمع، سببها الكبت وتأزيم هذه النفس بحبسها داخل إطار، تحاول الخروج منه عبر الطريق الخاطئ، ليس لأنها ترغب في ارتكاب هذا الخطأ، لكنها مدفوعة لهذا، بدعوى إلحاح الرقيب عليها، الرقيب الذي يشبه كلباً يفتش عن رائحة في كل شيء، ليتوصَّل إلى جريمة ما. دعوني أحكي لكم بعض الأحكام المسبقة التي يتبناها الذكوريون والذكوريات. يقال إنَّ المرأة المتبرِّجة -أي تلك التي تتزيَّن عند خروجها من البيت- فاسقة، قليلة التربية، وتحاول لفت انتباه المزيد من الشباب، لكنَّني تعرَّفت على نساء مُنتقبات، لا يظهرن ولو جزءًا من أجسادهن، وتنطبق عليهن هذه الصفات تماماً. وفي المقابل، تربطني علاقة بفتيات لا يرتدين الحجاب وهُنَّ في قمة الاحترام. وهذا مثال آخر: يفرض أولياء الامور على مؤسسات التعليم العالي في السلطنة وضع قوانين للسكن الجامعي، تشمل هذه القوانين تصاريح الخروج والدخول، على اعتبار أنَّ هذا الفرض سيمنع الفتيات من الخروج، لكن يُؤسفني أن أقول لهؤلاء إنَّ الفتيات حتى في ظل هذه الرقابة يفعلن ما يردنه، ويخرجن متى ما شئن، لا يمكن أبداً أن تمنعها من تنفيذ رغبتها بهذه الطريقة البدائية جدًّا. ألا يبدو مجديا أن تثق بها أكثر؟ لتفكر الفتاة مراراً قبل أن تجد نفسها في موقف لا تحمد عقباه. ألم تفكر أنها فيما لو لم تقدم على ارتكاب الخطأ، هذا الخطأ الكبير الذي سيلطخ اسمك واسم العائلة، أنها لم تفعل هذا برغبتها فلا يعبر هذا عن حقيقتها، وإنما منعها في السكن أو في البيت دفعها لكي تكون هكذا، ومع أول فرصة سانحة ستتصرف كما تريد. إلى متى ستستمر في حبسها؟ عندما تعمل وتستقل مالياً، يمكنها أن تفعل أيَّ شيء تريده...!

وحسب نتائج الكثير من الدراسات النفسية، نستطيع أن نكتشف مدى الغباء الذي تسقط فيها هذه المعالَجة التي تتخذ المنع وسيلة لتحقيق أهدافها؛ فقد يكون الممنوع دافعاً كبيراً للكثيرين لارتكاب الخطأ، خصوصا الممنوع الذي يتعلق بالجنس الآخر؛ فهنالك فضول كبير يتعلق باكتشافه، وامتحان الذات في العلاقة معه، عبر تعريضها لمشاعر جديدة وتحديات جديدة، حتى وإن كانت تحديات بسيطة، كتحدِّي الخروج معه؛ ففي التمرد يحقق الإنسان نوعاً من الاعتداد الكبير بنفسه؛ فهو بذلك يحقق انتصاراً كبيراً على المؤسسة الاجتماعية وما تفرضه عليه. كانط -وهو فيلسوف فرنسي مهم- تحدَّث في أطروحة مطولة عن الواجب الاخلاقي، الذي لا يتحقق إلا إذا كان الإنسان حرًّا؛ فذلك الواجب الذي تنفذه مرغماً لا يساوي الفضيلة في شيء، لكن الواجب الذي تفعله فيما عدم فعله متاح لك ايضاً فهو يساوي الفضيلة. ما أريد قوله أنك إن سجنتني بدعوى أنني فتاة، ولم أفعل ما تخاف منه؛ فهذا لا يعني أنني فعلت هذا بمحض إرادتي بل مُرغمة. بعد هذا كله، نجد أنَّ المرأة تقنع بالحدود التي رسمت لها وترضى بحالها التي أعطيت إياه قهرا؛ لدرجة أنَّها تُصبح على درجة من الاعتزاز بوضعها هذا أي بمظاهر قهرها... هذا هو المؤسف في الأمر؛ لأنَّ هذا الاستلاب يطمس إمكانات الوعي بوضعها ويطمس الرغبة بالتغيير والقدرة على التحرر.

Amalalsaeedi11312@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك