مخاوف يثيرها قانون الإرهاب المصري الجديد (2-2)

عبيدلي العبيدلي

في البدء، وقبل إثارة أي شكل من أشكال المخاوف التي يمكن أن يثيرها أي من قوانين الإرهاب التي أشرنا لها، وربما هناك غيرها مثل القانون الفرنسي، والكندي، لا بد من التأكيد على حقيقة أساسية، وهي أن من يسعى لتشييد مجتمع مدني متحضر، وبناء مؤسساته التي تدافع عن قيم ذلك المجتمع، ليس في وسعه، انطلاقا من المبادئ التي يؤمن بها، أن يقف معارضا لقانون يضع الركائز الأساسية لمثل هذا المجتمع. من هنا تنبع ضرورة التأكيد على أن الإرهاب، بكافة صوره ينافي الفطرة الإنسانية الخيرة، ومن ثم فهو سلوك مناف للطبيعة البشرية، وتقوم به حفنة ضئيلة من المجتمع. وعليه فمن الصعب تحوله إلى ظاهرة طبيعية مستمرة، تسود المجتمع، وتتأصل في سلوك أفراد. ومن ثم فنسبة من يمارسونه ضئيلة، وطبيعته مؤقتة. ولا بد هنا من التمييز بين الإرهاب كسلوك غير سوي للتغيير، وبين المعارضة السلمية المتمدنة (من مدنية)، كوسيلة متحضرة للتطوير. فبينما ينتمي السلوك الأول لقوانين الغاب، تصنف الثانية في فئات الكتل المجتمعية الإنسانية.

بناء على هذا الفرضية التي لا تقبل الجدال، يمكن الانتقال للحديث عن المخاوف التي من الطبيعي أن تشوب ردود فعل كل من تصدى لمناقشة مثل تلك القوانين.

المسألة الثانية التي ينبغي الإشارة إليها هنا، أن المخاوف التي يثيرها مثل هذا القانون لا تقتصر على البلدان العربية، كما قد يتوهم البعض منا، فها هي لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة نعبر عن قلقها إزاء قانون مكافحة الإرهاب الجديد في كندا، وتحذر من أن القانون الكندي يمكن أن يتعارض مع قواعد القانون الدولي المتعارف عليها، مضيفة إن القانون الجديد يمنح أيضا الحكومات سلطات واسعة، دون أن يشمل الضمانات القانونية الكفيلة بحماية حقوق الأفراد السياسية والمدنية".

لذلك نجد أول تلك المخاوف التي تتصدر قائمة طويلة لتلك الأوجال، هو الخوف من إن ينجح هذا القانون، بوعي أو بدون وعي، في إيقاظ الغرائز الشريرة في النفس البشرية، عندما تلجأ قوى التغيير المجتمعية، في لحظة عدم اتزان عفوية، للدفاع عن الذات، من خلال ممارسات إرهابية، لا تعي هي ذاتها النتائج التدميرية التي تمارسها هي بحق نفسها. فعندما تستيقظ الغريرة الدفاعية غير المؤنسة (من إنسان)، تنتعش النزعات المتوحشة كي تأخذ مكان تلك المتحضرة، وتنتقل معها النفس البشرية نحو ردة الفعل انتقامية، تصبغها التوجهات "الإرهابية"، التي ليس من المفترض أن تجد من يدافع عنها. لذا من الضروري، عند سن قوانين الإرهاب أن تؤخذ في الحسبان ردة الفعل هذه، وترسم الخطط المناسبة التي تحول دون بروزها، ومن ثم تحولها إلى سلوك مجتمعي توجهه قيم القطيع، فتتشوه كل أشكال المعارضات الأخرى التي تكون أول ضحايا ذلك السلوك.

حينها، يثير قانون الإرهاب، على نحو مواز مخاوف القوى المجتمعية المعارضة التي ترفض الإرهاب فكرا، وتحاربه على نحو غير مباشر سلوكا، من إساءة تطبيق واستخدام مواد، أو بعض بنود تلك المواد، من قبل بعض الأجهزة الأمنية، متخفية تحت عباءة مبررات كثيرة. فالتجربة السابقة، وعلى وجه العربية منها، تثبت قدرة تلك القوى التي تخشى قيم وسلوكيات المجتمع المدني، ويحلو لها أن تعبث يمثل تلك القوانين كي تجيرها لصالح انتهاكاتها لتلك القيم. وما يزيد الطينة بله، تحول تلك الانتهاكات إلى سلوك عام تمارسه أجهزة الدولة المختلفة بتوجيهات من تلك القوى، فينتقل القانون حينها من طبيعته الاستثنائية، إلى حالة الاستمرارية.

هذا ما حذرت منه التجربة التونسية بعد الإطاحة بنظام بن علي، عندما تحفظت بشدة، بعض الأحزاب بشدة من مغبة تمرير القانون برمته. وجاء على لسان أحدها وهو حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، الذي حذر من أن القانون "يتضمن فصولا من شأنها أن تشكل خطرا على مبادئ حقوق الإنسان وتعيد سياسة القمع والتضييق على الحريات".

وتحتفظ السياسات الاستعمارية التي مارست الإرهاب تحت مبرر قمع حركات التحرر الوطني، التي انطلقت في الأساس لمحاربة "الإرهاب" الاستعماري.

ثالث تلك المخاوف، والتي جاءت في ردود فعل القوى المجتمعية، هو عدم التمييز -مفترضين حسن النية هنا - بين ما هو إرهابي وغير إرهابي. ففي حالات الهبات الجماهيرية، التي يمكن استئناسها وتشذيبها كي تنتقل من ردود الفعل التي ربما تشوبها بعض السلوكيات الإرهابية، إلى المرحلة المدنية المتحضرة، يصعب التحكم في سلوك أطراف الصراع للحيلولة دون استمرار انحرافه في الاتجاه "الإرهابي"، بدلا من تطوره نحو الطريق التطويري المسالم.

رابع تلك المخاوف ينحصر في منظمات المجتمع المدني، التي غالبا ما تكون أول ضحايا الإرهاب، سواء من قوانينه، أو من القوى التي تمارسه. هذا ما حذرت منه، وبصوت عال منظمات المجتمع المدني التونسية، التي شدد على أنه في حال "تمّ الاقتصار على سماع الحكومة ومؤسسات الدولة حول القانون وتم رفض سماع مكونات المجتمع المدني ذات الصلة رغم الملاحظات والانتقادات الشديدة التي وجهتها العديد من الجمعيات والمنظمات للمشروع وما تضمنه من إخلالات وهنات عديدة تفتح الباب أمام انتهاكات جسيمة للحقوق الإنسانية".

تأسيسا على ما تقدم، تبرز أهمية الموازنة بين وجود قوانين تحارب الإرهاب وتستأصل شأفته، وبين سياسات تحافظ على توازن الحقوق والواجبات بين الدولة ومؤسسات المجتمع، وفي المقدمة منها منظمات المجتمع المدني، بما يضمن سيادة القانون، دون مصادرة حق الآخرين بالمطالبة بالتطوير والتقدم، بما يكفل هيبة الدولة من جانب، ولا يصادر حقوق المعارضة السلمية غير الإرهابية من جانب آخر.

الرغبة في الوصول إلى هذه المعادلة، عبر الطرق الصحيحة، هي التي تثير مثل تلك المخاوف البناءة.

 

 

تعليق عبر الفيس بوك