تخمة المعروض وارتفاع الأسعار وتراجع الطلب.. ركود خفي ينذر بـ"فقاعة عقارية" في سوق المكاتب

المصلطي: مراكز الأعمال تسحب البساط من أسفل البنايات الإدارية

النبهاني: ركود الأسعار يتواصل حتى الربع الأول من العام المقبل

عيسى: المبالغة في رفع أسعار المتر أبرز أسباب ركود السوق

العمري: مشكلات السوق العقاري غير مرتبطة بالتسهيلات البنكية


الرؤية- أحمد الجهوري


حذر مختصون وخبراء بالقطاع العقاري من أنّ تخمة المعروض في سوق المكاتب بالسلطنة مع ارتفاع أسعار الإيجارات وتراجع الطلب، يتسبب في حالة من الركود التي ربما تسفر عن "فقاعة عقارية"، مع استمرار البنوك في منح التسهيلات الائتمانية وتوسع الأفراد والشركات في بناء وحدات عقارية دون أن يقابل ذلك نموا في الطلب.

ويعاني سوق المكاتب في السلطنة- خلال الفترة الحالية- حالة من الركود في ظل ثبات الأسعار وزيادة المعروض، وهو ما أكدت عليه التقارير الصادرة من إحدى الشركات المتخصصة في إدارة العقارات، وهو ما أكدت عليه العديد من المكاتب العقارية بالسلطنة، وخبراء بالشأن العقاري. وقد اتفقوا على أن البنايات والمجمعات المعروضة للايجار المكتبي آخذة في التزايدما تسبب في حالة من "الإشباع" من حيث الخيارات المتاحة، كما أن التسهيلات البنكية المتعلقة بالاستثمار العقاري كانت من أبرز العوامل التي تسببت في تخمة المعروض.. وبالمقابل أصبح ملاك العقارات أمام تحديين؛ أولهما البحث عن المستأجر، والآخر الالتزام بسداد الأقساط البنكية.

وفي ظل عدم توفر إحصاءات تظهر عدد السجلات التجارية الصادرة بالنصف الأول من العام الجاري 2015، مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي 2014، فمن الصعب تبيان حجم الشركات التجارية المنضمة حديثا إلى السوق وتبحث عن مواقع للإيجار المكتبي، ما يبرهن فرضية أن تخمة المعروض وليس قلة الأنشطة الاقتصادية هي السبب وراء ركود الأسعار.


أسواق فرعية

ووفقاً لمجموعة من التقارير- اطلعت عليها "الرؤية"- فإن الإيجارات في أهم الأسواق الفرعية بمسقط شهدت استقراراً خلال العام الماضي، وأيضاً خلال الربع الأول من العام الجاري؛ ليصبح بهذا الربع الخامس على التوالي الذي يشهد ركوداً في الإيجارات، ولا تزال أسعار إيجارات مكاتب الفئة (أ) تتراوح بين 6 و8 ريالات عُمانية للمتر المربع في عموم مسقط. غير أن هناك بعض الأسواق الفرعية- ومنها على سبيل المثال منطقة القرم- التي لم يشهد متوسط الإيجارات فيها تغيراً ملحوظاً منذ العام 2010. لكن بصورة عامة، ظلت إيجارات المكاتب الثانوية تواجه "رياحاً عكسية"، لا سيما في المناطق التي يعتبرها الخبراء "أقل جاذبية". علاوة على أن المكاتب التي تندرج ضمن هذه الفئة عادة ما توفر مساحات غير مناسبة من مواقف السيارات وما يعرف بـ"الإدارة العقارية السيئة".

ويرى محللون أن انخفاض أسعار النفط تسبب بشكل غير مباشر في تراجع الطلب على المكاتب، لاسيما الشركات العاملة في قطاع النفط والغاز؛ حيث تتريث الشركات في توسيع أعمالها إلى أن تتحسن الأسعار بصورة أفضل مما هي عليه الآن، وتقوم بإعادة تقييم ودراسة أوضاعها المالية، خاصة إذا ما تبين أن هذا القطاع يمثل أكبر نسبة من الطلب على السوق وتتراوح على مساحات بين 800 إلى 4000 متر مربع.

وفي حالة استمرار الحكومة في تنفيذ برامجها المرتبطة بالاستثمار في البنية الأساسية- مثلما تم التخطيط له خلال هذا العام- فإنّ من الطبيعي أن تواصل شركات المقاولات والإنشاءات والهندسة الاستمرار في توسيع أنشتطها، لكن على الرغم من ذلك لا يزال الطلب على المكاتب مرشحا للتراجع في نهاية العام الجاري، إذا تم إيقاف أو تأجيل أي مشاريع من المشروعات الحكومية نتيجة انخفاض إيرادات النفط.

سوق مشبعة

وقال راشد بن سليم المصلطي الرئيس التنفيذي للشركة الوطنية للمجمعات السكنية: من الملاحظ أن السوق العقاري بالسلطنة تشبع حاليا بالمباني التي خصصت للإيجار المكتبي؛ حيث إن المعروض أصبح أكثر من الطلب، والذي ربما غفل عنه الكثير من المستثمرين بقيامهم بإشباع السوق بوفرة المكاتب المعروضة للإيجار. وأضاف أنه على سبيل المثال، فإن منطقة الغبرة تتزاحم فيما بينها من حيث كثرة الخيارات المتوفرة، ومع الوضع في الاعتبار أن المستأجر يختار دائما الخيار الأفضل، وبتوفير بيئة مناسبة لشركته، فمن الطبيعي أن يركز على جميع ما يتناسيب بتقديم خياراته التجارية بكل أريحية. وبيّن أن المستأجر سوف يركز على منافذ الدخول والخروج إلى موقع شركته، وأن تكون سهلة، كما أنه لن يهمل الجانب الأهم وهو توفر المواقف وبالتحديد إذا كانت الشركة المراد تأسيسها تقدم خدمات عامة للزبائن تستدعي زيارتهم للموقع، بحيث لا يتأثر الزبون بزيارته إلى الشركة بألا يجد موقفا وينزعج، ويذهب إلى شركة منافسة تقدم نفس الخدمات التي تقدمها الشركة السابقة نظرا لتوفر المواقف والخدمات بها. وتابع المصلطي أن هناك جانبا مهما يركز عليه أصحاب المؤسسات والشركات عند الاستئجار، وهي الخدمات المضافة الموجودة بالمبنى، مثل مركز للتدريب والمقاهي وصالة رياضة وشبكات الواي فاي، وغيرها من الخدمات والتي تعكس الجوانب التسويقية للمبنى.

وأضاف المصلطي أن هناك توجها آخر لجأ إليه العديد من التجار والمستثمرين؛ وهو مركز الأعمال؛ حيث يتم توفير مكاتب صغيرة تتناسب مع نوع التجارة التي تقدمها والتي بالعادة لا تحتاج إلى أكثر من 3 موظفين حيث لا تحتاج حينها الى مساحة مكتبية تصل الى 200 متر مربع وتكلف الكثير من رسوم الإيجار، وتتوجه مثل هذه الشركات الى المباني التي فيها مركز أعمال متكامل تكون فيه الخدمات مشتركة ويتكفل فيها صاحب المركز بموظف الاستقبال الذي يخدم جميع الشركات الموجودة في طابق معين، بحيث يقوم بتحويل الزوار والمكالمات الى الجهات التي يبحث عنها الزبون، كما توجد صالة لانتظار الضيوف، وقاعة كبيرة للاجتماعات مشتركة تستفيد منها جميع الشركات المتواجدة بالمبنى وفق ضوابط وشروط معينة تتسم بالمرونة. وأوضح أن جميع الشركات في الطابق الواحد تشترك في عمال النظافة أو عامل البوفيه، ما يعني أن كل مؤسسة توفر قدرا كبيرا من النفقات على مثل هذه الجوانب.

دراسة السوق جيدا

وحول دعم البنوك للشركات العقارية، قال المصلطي إن البنوك تعتمد على تقييم الشركة، وفي بعض الأحيان يلجأ البعض الى رفع التقييم للاستفادة بقرض أكبر، لكنه يرى أن رفع التقييم لا يصب في مصلحة المستثمر، على الرغم من أنه سوف يستفيد من السيولة المالية، لكن بالمقابل لا يضمن تحقيق العقار للعائد المادي الذي يستطيع من خلاله أن يغطي حجم القسط الشهري للقرض. وتابع أنه في الجانب الآخر، تتمتع البنوك بالسيولة العالية، كما أن محافظهم العقارية لا تعاني زيادة القروض، لذلك لا توجد لدى المؤسسات المصرفية مشكلة في تقديم التسهيلات للشركات العقارية. غير أن المصلطي أوضح أنه يتعين على الشركات العقارية أن تتحلى بنوع من الحذر، خاصة فيما يتعلق بالقروض التجارية، مع الأخذ بعين الاعتبار أهمية وضع دراسة جدوى توضح موقع الاستثمار وحجم العرض والطلب المتوقع في المنطقة، ونوع العقار المستهدف بناؤه، وما هي الشريحة المستهدفة، وذلك قبل طلب التسهيل البنكي.

ومضى المصلطي قائلاً إن البنوك تتنافس فيما بينها وتقدم الخيارات وفق ما يتناسب معها، على الرغم من أن السوق العقاري بالسلطنة متوسط، ولا يصل الى السوق الكبير، وتترواح أسعار المكاتب من 6 ريالات إلى 10 ريالات للمتر المربع وفق الموقع والخيارات المقدمة بالمبنى.

وبين المصلطي أن منطقة المعبيلة تعد من المناطق الحيوية وذات النشاط العمراني التوسعي، لكنه يتوقع أن تعاني مما وصفه بـ"التخبطات والعشوائية والازدحام المروري"، في المستقبل القريب، مشيرا إلى أن هناك معضلة تواجه هذه المنطقة تتمثل في نقص مواقف السيارات، مع زيادة المباني الضخمة التي لا يتوفر فيها مواقف كافية. وتابع أنه في ظل التوسع العمراني المتواصل، فسوف تظهر المشكلة بوضوح، إذ إن هناك بعض المباني تضم 30 شقة لكن لا توجد بها مواقف تتناسب مع عدد الشقق، وكان الأولى للجهات المعنية أن تلزم أصحاب المباني بتوفير المواقف قبل الموافقة على إباحة البناء، وذلك من خلال المواقف الأرضية، فمثلا تحتاج البناية المقامة على مساحة 400 متر إلى طابقين من المواقف الأرضية لكي تتفادى مضايقة المباني المجاورة من حيث عدد المواقف.

ونصح المصلطي المستثمرين العقاريين بدراسة السوق جيدا قبل الشروع في البناء، لكي لا يواجه مشكلات صادمة لا تتناسب مع توقعات المستثمر؛ حيث من الأفضل التعرف على نوع المستأجرين المستهدفين قبل الشروع في البناء، لأن السوق في حقيقة الأمر متشبع من المواقع المعروضة للإيجار، كما أن التعرف على احتياج السوق من أهم البنود الأساسية لإنجاح أي مشروع عقاري، وكمثال لذلك تكتشف ما يتناسب معه الطلب في فترة البناء، إذا كانت الشقق المكونة من غرفتين وصالة أو ثلاث غرف وصالة ونوعية التشطيبات الراقية وذات الجودة التي تجذب المستأجر. وختم قائلا: "للأسف ما يحدث حاليا هو إغراق السوق بالمباني دون تخطيط، وهذا ما قد يؤدي إلى فقاعة عقارية مثلما حدث بالسوق عندما اندلعت الأزمة الاقتصادية العالمية في 2008 نتيجة لمشكلات قطاع العقارات الممولة من البنوك".

راحة المستأجر

فيما قال سامي النبهاني مدير تطوير الأعمال بشركة المدينة العقارية إن القطاع العقاري في السلطنة يسهم بدور مهم في تحقيق رؤية عمان 2020 من حيث تنويع قاعدتها الاقتصادية بألا يكون الاعتماد الرئيسي في الدخل على النفط فحسب، وإنما سلط الضوء على أنشطة أخرى كالتصنيع والسياحة.

وأضاف أن القطاع العقاري يواصل المساهمة بقدر كبير في الناتج المحلى الإجمالي، وبالتالي ارتفع الائتمان الممنوح للقطاع العقاري بشكل ملحوظ مع ازدهار نشاط البناء. وأوضح أن سوق المساحات المكتبية يعتمد على العرض والطلب وهناك مساحات مكتبية مميزة في مواقع جيدة تقدم خدمات عالية الجودة للمستأجرين، في حين أن هناك مساحات مكتبية تنقصها الخدمات لعدم توفر العدد الكافي من مواقف السيارات وتراجع جودة الخدمات المقدمة من قبل المالك أو المطور، مشيرا إلى أن القطاع المكتبي شهد استقراراً في أسعار الإيجارات خلال السنة الماضية وخلال الربع الأول من العام الجاري، وبصورة عامة ظلت إيجارات المكاتب ثابتة ومنخفضة في المناطق الأقل جاذبية، في حين لا يزال الطلب مستمرا على المساحات ذات الجودة العالية التي تقدم خدمات عالية ومميزات وإدارة جيدة للمباني من أجل راحة المستأجرين.

ويتوقع النبهاني استمرار زيادة المعروض بنهاية هذا العام، وبداية الربع الأول من عام 2016، مما سيؤدي إلى مزيد من الركود في أسعار الإيجارات.

ضعف الخدمات

من جهته، قال عبد الله عيسى (خبير عقاري) إن السوق يعاني من تخمة في المعروض مع زيادة أعداد المباني المخصصة للتأجير المكتبي في معظم أرجاء السلطنة، ولعل ذلك يعود إلى عدة أسباب أولها المبالغة في رفع سعر المتر بما لا يتوافق مع السعر الحقيقي للمنطقة المعروض فيها المساحة، وثانياً ضعف الخدمات التي يوفرها صاحب العقار، ومنها توفير المواقف الكافية لكل شركة بعدد موظفيها، وسهولة الوصول إلى الشركة بما لا يعرقل الحركة التجارية ونشاطها بين الشركة وزبائنها.

وأضاف عيسى: "لا أحد يستطيع أن ينكر أن انخفاض أسعار النفط تسبب في ركود الطلب على المباني المخصصة لتأجير المكاتب؛ حيث إن معظم الشركات وبالتحديد النفطية منها في حالة من الترقب لما سيؤدي إليه انخفاض أسعار النفط المستمر، وعلى هذا الأساس يتريثون في تنفيذ المشاريع وبالتالي تأجيل قرار تأجير المساحات، وهذا الحال ينطبق كذلك على العديد من الشركات التي تراقب الوضع والتأثير الذي سيحدثه الانخفاض في المستقبل القريب.

متطلبات السوق

وقال خالد العمري رئيس قسم منتجات وأعمال وقطاعات التجزئة المصرفية ببنك ظفار إن البنك لا يرى الاستثمار العقاري خطراً كبيرا، وإنما في المقابل يساهم بشكل فعال فيإنعاش وتنمية الاقتصاد الوطني من خلال القيمة المحلية المضافة التي يجلبها للسوق المحلية، بالإضافة إلى توفير فرص وظيفية للكوادر العمانية المؤهلة وإثراء الحركة التجارية في مختلف القطاعات، علاوة على سد حاجة السوق من الوحدات العقارية سواءً كانت تجارية أو سكنية أو غيرها. وتابع أن القطاع العقاري ينمي حركة السياحة؛ حيث توفر بعض المشاريع مرافق سكنية وترفيهية للسياح سواء من داخل أو خارج السلطنة، ومن هذا المنطلق ننظر بمنظور إيجابي للاستثمار العقاري. وتابع أن السلطنة بمختلف مؤسساتها أوجدت قوانين وسياسات أطرت عملية الاستثمار في قطاع العقارات، مشيرا إلى أن حركة السوق تتأثر بالعرض والطلب، وبالتالي قد يواجه المستثمرون بعض التحديات التي ليست بالضرورة متعلقة بالتمويل العقاري، فالمؤسسات المالية التي تقدم خدماتها لهؤلاء المستثمرين تسعى لتلبية احتياجاتهم وتمكينهم من الاستثمار في هذا القطاع، وإذا نظرنا لحركة السوق نلاحظ أن ازدياد الطلب على الوحدات السكنية يأتي نتيجة لزيادة الكثافة السكانية علاوة على توفر خيارات متعددة في مناطق مختلفة.

وحول الخيارات المتوفرة التي يقدمها البنك حالياً وما إذا كانت مناسبة مع متطلبات السوق والتسهيلات التي يقدمها للحصول على التمويل العقاري، قال العمري: "نسعى في بنك ظفار لتقديم منتجات وخدمات صممت لتتناسب تماماً مع متطلبات الزبائن، ويقدم بنك ظفار العديد من الخيارات للقروض الإسكانية وهي متاحة للعقارات السكنية في السلطنة، وتشمل هذه الخيارات شراء أرض سكنية، أو شراء منزل أو شقة جاهزة أو تحت الإنشاء، أو بناء منزل أو شقة جديدة، أو توسعة أو تطوير أو صيانة منزل، أو شراء قرض إسكاني من بنوك أخرى. كما يقدم بنك ظفار خلال هذه الفترة عروضاً خاصة على القروض الإسكانية مما يعد فرصة رائعة للزبائن لتحقيق أهدافهم، فالقروض الإسكانية من بنك ظفار متوفرة بأسعار فائدة تنافسية وإجراءات سريعة وسهلة إذ تبلغ نسبة الفائدة 4.0% خلال مدة العرض الذي يستمر لغاية 31 ديسمبر 2015 ويأتي كإضافة جديدة للباقة المتنوعة من العروض والخيارات المصرفية المتميزة ضمن سعينا لإثراء التجربة المصرفية للزبائن، وتتيح هذه العروض الخاصة للزبائن الاستمتاع بالأسعار التفضيلية عند التقدم لطلب قرض إسكاني جديد أو شراء قرض إسكاني من بنوك أخرى.

وحول كيفية تعامل البنك مع المتعثرين، أوضح العمري أن البنك يحرص على أن يستفيد الزبائن من الخدمات والتسهيلات المتوفرة ضمن برنامج القروض الإسكانية، كما يحرص أن يطلع الزبائن على الخيارات المتاحة واختيار ما يتناسب تماماً مع احتياجاتهم، أما بالنسبة للزبائن الذين يتعذر عليهم سداد المستحقات المالية بحسب الشروط المتفق عليها فيقوم القسم المختص في البنك باتخاذ الإجراءات اللازمة بحسب الأنظمة والقوانين المعمول بها في السلطنة.

تعليق عبر الفيس بوك