الشيخ منذر السيفي: الغيبة والنميمة من الآفات القاتلة للاستقرار المجتمعي وأبرز وسائل نشر الفتن

الرُّؤية-مالك الهدابي

حثَّفضيلة الشيخ مُنذر عبدالله السيفي -الواعظ بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية- المسلمين على ضرورة حفظ اللسان من "القيل والقال"؛ إذ إنَّهامن الصفات الذميمة. قائلا إنَّأقبح ما يتَّصف به الإنسان نقل الخبر إلى الآخرين، أو من شخص إلى شخص، بغرض إشاعة الفتنة بين الناس والإفساد بينهم، وهذه الصفة لا يتَّصف بها إلا من ذهب الإيمان عن قلبه، وأغراه الشيطان.

ويستشهدُ السيفي في ذلك بقول أحدهم محذراً من آفات اللسان: "احفظ لسانك أيها الإنسان..لا يلدغك إنه ثعبان.. كم في المقابر من قتيل لسانه.. كانت تهأب لقائه الشجعان".

وأضاف بأنَّه قيل في المثل: "رُبَّ كلمة تقول لصاحبها دعني"، وقد ضرب الله سبحانه وتعالى المثل الأعلى للكلمة الطيبة، كما ضرب مثلاً آخر على الكلمة السيئة؛حيث قال: "أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءتُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ"، وفي المقابل "وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ" (سورة إبراهيم).

وتابع: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً يُلقى بها في جهنم سبعين خريفاً"، والنميمة مذمومة ولا يسلك مسلكها الا مذموم وهي مقيته عند الله تعالى ولا يتعاطها الا ممقوت والنمام مفسد يحب أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، وقد ذم الحق سبحانه وتعالى النميمة في القرآن؛ حين قال: "ولا تطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم مناع للخير معتد أثيم عتل بعد ذلك زنيم".

وأوضح أنَّالإسلام ربَّانا على أن نتأكد من صحة الخبر حتى لا يقع المرء في مصيبة، وقال سبحانه: "يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين"، وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة نمام"، والنميمة من أكبر الكبائر والعياذ بالله، والنميمة شر لا يتعاطها إلا من تمادى في الشر، وحقيقتها نقل الكلام من إنسان بين إلى إنسان أو من جماعة إلى جماعة بطريق الإفساد؛ أي يريد أن يفسد ويظهر له النصح بأنه أتاه بما قيل فيه من فلان وعلان وهذا لا ريب فيه لا يجوز.

ومضى قائلا: إنَّالإسلام يدعوأتباعه للإصلاح إذا وقع خلاف بين الطرفين؛وعن سيدنا عمر بن عبدالعزيز أنَّرجلا دخل عليه يوما، فقال فلان يقول كذا وكذا، فقال له عمر بن عبدالعزيز رحمه الله: ياهذا، اطلعت الغيبة وجئتني بالداهية، إن كنت صادقاً فيما قلت فأنت من أهل هذه الآية: "ياأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين"، فأشعره أنه فاسق حتى لو كان صادقاً فيما قاله، وقال: ولو كنت كاذباً فأنت من أهل الآية "هماز مشاء بنميم"، وإن شئت عفونا عنك، فقال: العفويا أمير المؤمنين ولا أعود".

وأكَّد السيفي أنه لا شيء أشر من النميمة والغيبة؛ إذ إنهما يهدمان بنيان الأفراد والمجتمعات؛ فقد جاء رجل إلى الإمام محمد بن إدريس الشافعي، فقال له: "فلاناغتابك في المجلس الفلاني"،فما كان من الإمام الشافعي إلا أنه ذهب إلى من اغتابه وأكرمه وأحسنإليه، فتعجب الرجل من فعل الإمام الشافعي، فقال له الشافعي شكرته لأنه أخذ من حسناته ووضعفي ميزان حسناتي، دون أن أتكلف بفعل عمل صالح أفعله. وعليه قال الحسن البعري: "من نقل إليك حديث غيرك فهو ينقل حديثك إلى غيرك".

وزاد:كمجاء الوعيد الشديد من شر الغيبة والنميمة، بل شبهها سبحانه وتعالى بوصف تأنف النفوس له؛ حيث قال تعالى: "وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ"، وهذا لا شك فيه تصوير في قمة التحذير من أن يقع الناس فيما حرم الله عز وجل من غيبة ونميمة، وقول زور وبهتان، كما أنه صلى الله عليه وسلم قال محذراً سيدنا سعيد بن معاذ من آفات اللسان حين قال له "هل يكب الناس يوم القيامة على النار إلا حصائد ألسنتهم".

وشدَّد على أهمية أن يحذر الأفراد والمجتمع من المغتابين والنمامين ولا يفسحوا لم المجال في الكلام، فالمرءمطالب أن يشغل وقته بذكر الله تعالىوطاعته، وأن يقول "حُسنا" قال تعالى"وقولو للناس حسنا"، وقال: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًايُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا"؛فالمرء لن يبلغ حقيقه الإيمان إلا إذا امتثللأمر الله سبحانهوتعالى وانقادله وترك المعاصي وحفظ لسانه وفرجه، وقال صلى الله عليه وسلم :"من يضمن لي مابين لحييه وفخذيه أضمن له الجنة"، وكما قيل إن الجوارح تنادي اللسان كل صباح وتقول: "أيها اللسان أتق الله فنحن بك"، وكما قيل في المثل "لسانك حصانكإن صنته صانك وإن خنته خانك"، واللسان هو الذي يرفعك إلى أعلى المراتب ويترجم مشاعر الإنسان.

وتابع بأنَّالسلف والخلف حذروامن مضار الغيبة وما يترتب عليها من مفاسد، ويقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "عليكم بذكر الله فإنه شفاء وإياكم وذكر الناس فإنه داء"، وقال الحسن"ذكر الغير ثلاثة: الغيبة والبهتان والإفك وكل في كتاب الله عزَّ وجل؛ فالغيبة أن تقول ما فيه والبهتان أن تقول ماليس فيه والإفك أن تقول ما بلغك"، وقال أيضا: "والله للغيبة أسرع في دين الرجل من الأكل في الجسم"، وقال ابن سيرين"لم تر إلى جيفة خضراء منتنة".

تعليق عبر الفيس بوك