التعصب.. قوة غضب عمياء تستند إلى الطائفية والعنصرية ويكتوي بنارها الجميع

 

فيصل الكندي

يُعرَّف التعصُّب بأنه عدم قبول الحق عند ظهور الدليل بناء على ميل إلى جانب وهي ظاهرة قديمة حديثة ترتبط بها العديد من المفاهيم كالتمييز العنصري والديني والطائفيي والجنسي والطبقي، ولعل معظم الصراعات التاريخية كان سببها التعصب للدين أو العرق أو اللون، وما زالت هذه الظاهرة تتجدد وتنموا باستمرار إلى يومنا هذا.

كما أنَّ التعصب الفكري يندرج تحته كل فكر "سقيم" يؤدي إلى تقسيم الشعوب إلى طوائف وطبقات؛ مما يؤدي إلى نشوء صراعات وحروب تتوارثها اﻷجيال أبًّا عن جد لا تخمد ما بقي التطرف الفكري العقيم.

وجاء الإسلام ليوحِّد الناس تحت راية الإسلام وجعل "التقوى" هي معيار اﻷفضلية فيهم وميزهم عن غيرهم ﻷسباب شرعية وعقدية مع الالتزام بحقوق غير المسلمين وعدم الاعتداء عليهم وعلى معابدهم وأماكن صلواتهم.

لكن الشيء المؤلم هو أن يقوم مسلم بالاعتداء على أخيه المسلم بحجة الاختلاف في الرأي وعدم التبعية له في توجهاته وأفكاره لهو شيء يدمي القلب وشرخ كبير في اﻷمة يدعونا الى التفكير مليا في اﻷسباب التي دعته إلى تحليل دم أخيه المسلم ﻷسباب تافهة لا تستدعي النزاع أصلا.

إنَّ الإرهاب الجسدي الذي مزَّق اﻷمة عبر التأريخ والذي نشهده اليوم ما هو الا نتيجة للإرهاب الفكري الذي قسم اﻷمة وحلل دمائها، وانتهك حرمة مقدساتها هذا الفكر البغيض الذي جعل تعاليم الاسلام وراء ظهره واتبع أهوءا شخصية وأهدافا دنيوية على حساب اﻵخرين.

الاختلاف في الرأي سنة الحياة وبه تتنوع الحياة وتتجدد وتتطور وقد اختلف الصحابة في اﻵراء ولم ينكر عليهم النبي -صلى الله عليه وسلم- ويختلف العلماء في الطريقة الواحدة وتتشكل منها المدارس الفقهية؛ فما بالنا بتعدد الطرائق وتباعد البلاد واختلاف العادات وطبيعة العيش لهو أجدر بالاختلاف في الرأي.

... إنَّ إقصاءَ فرد من اﻷفراد أو فئة من الفئات من المشاركة السياسية لسبب طائفي لهو أكبر داعم لنمو وتشكل الإرهاب والاقتتال الذي لا يصب في مصلحة أحد إلا أعداء اﻷمة الذين أصبحوا في وضع المتفرج لما يحصل لها من مصائب.

إنَّ محاربة الإرهابيين يجب أن تتزامن مع محاربة الإرهاب الفكري الذي يغذي الإرهابيين ويدفعهم إلى سفك الدماء وتفجير المساجد وتشويه صورة الإسلام والمسلمين وتقديم نموذج سلبي للمسلمين باسم الإسلام.

إنَّ الجهد الكبير يقع على عاتق علماء اﻷمة الاسلامية ومفكريها؛ وذلك بمراجعة الفكر الإسلامي وتنقيته من الشوائب التي علقت به عبر التاريخ وبمراجعة المصنفات والفتاوى التي تتعلق بالولاية والبراءة والمعاملات واﻷخوة الاسلامية والدماء ومعاملة غير المسلمين وأدب الاختلاف وسيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- وفقه الجهاد وأدبياته وتقديمها للأمة بطريقة عصرية سهلة لتصحيح المفاهيم وغرس الصواب في قلوب الناس.

وعلى الصعيد العالمي، يجب أن تُسنُّ قوانين صارمة لكل من تسوِّل له نفسه التأجيج بين الناس ونشر الفتن الطائفية وعدم السماح للقنوات ببث سموم الطائفية ومراقبة دور النشر والسمعيات والبصريات فكل هذه تمثل أرضية خصبة لانطلاق الفتن وزرعها بين الناس لتنفجر بينهم الطائفية والتعصب وسفك الدماء.

إنَّ الحربَ على الإرهاب ليست مسؤولية الدول، فحسب وإنما تقع المسؤلية علينا جميعا؛ فالإرهاب أصناف وأشكال ولا يُواجَه إلا بمتزيق الفكر السقيم الذي يشتت ولا يجمع، ويهدم ولا يبني؛ ليعم الخير في العالم وليعيش الناس تحت مظلة السلام مع اختلاف مذاهبهم وتوجهاتهم وطرائقهم كما هي تعاليم الإسلام وتشريعاته التي ينادي بها منذ أكثر من 14 قرنا.

تعليق عبر الفيس بوك