مخاوف يثيرها قانون الإرهاب المصري الجديد (1-2)

عبيدلي العبيدلي

كما كان مُتوقعا، أقرَّ الرئيسُ المصريُّ عبدالفتاح السيسي قانون مكافحة الإرهاب يوم الأحد الموافق 16 أغسطس 2015. أتى هذا القرار بعد مسيرة زادت على الشهر، من الجدال الواسع بين مؤيدي القانون ممن رأوا فيه "الوسيلة الوحيدة التي يمكن من خلالها وضع حد لما يعتبر عمليات إرهابية واسعة النطاق تهدد الأمن القومي المصري، بما في ذلك أفراد القوات المسلحة والشرطة"، وبين من وجدوا فيه "محاولة لتقويض حرية الرأي في مصر باسم محاربة الإرهاب". وهو جدل انطلق إثر نشر مسودته قبل أشهر.

ومن جانبها، سعت الجهات الرسمية المصرية إلى تطمين المتخوفين من الانعكاسات السلبية التي يمكن أن يتركها تطبيق مثل هذا القانون، كما جاء في بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء إبراهيم محلب إثر اجتماعه مع وفد من نقابة الصحفيين المصرية في نهاية الشهر الماضي، جاء فيه أنه "عندما وافقنا (الحكومة) على قانون الإرهاب، لم يكن في قصد أي أحد التضييق على حرية الصحافة والإعلام، وإنما المقصود هو حماية الأمن القومي المصري، وحماية الروح المعنوية للجنود الذين يدافعون عن هذا الوطن".

لا بد من الإشارة هنا إلى أنَّ "هذا القانون باعتباره مكملا لقانون (الكيانات الإرهابية)، الذي أقر في فبراير 2015 ليعرف الكيان الإرهابي، ويحدد دوائر خاصة بالمحاكم، ويرسم السبيل القانوني للتعامل مع هذه الكيانات أو الأشخاص".

وكما يبدو، فإن القشة التي قصمت ظهر بعير تأنِّي السلطات المصرية في إصدار القانون، ويبرر لها استعجالها في إصداره كانت "اغتيال النائب العام هشام بركات في نهاية يونيو الماضي".

وقبل الخوض في الأجواء التي سيفرزها تطبيق مثل هذا القانون، وتداعياته، ليس فوق الأراضي المصرية فحسب؛ إذ ربما أن يمتد كي يشجع بعض الدول العربية الأخرى التي تواجه صعوبات كتلك التي بررت إقدام الحكومة المصرية على اللجوء إليه، تجدر الإشارة إلى أن مصر ليست الدولة العربية الوحيدة، ومن ثم فهي ليست الأولى على هذا الطريق.

ففي نهاية شهر يوليو الماضي، سارع مجلس نواب الشعب التونسي إلى التصديق على "مشروع القانون الأساسي لمكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال بأغلبية 174 صوتا، مقابل اعتراض عشرة نواب، وعدم امتناع أي نائب من الحاضرين عن التصويت". وبرر المجلس حينها موافقته على هذا المشروع، أنه الرد الحاسم -من وجهة نظره- لوقف موجة تزايد الهجمات على المواقع السياحية والمنتجعات، وكان آخرها "هجوم وقع على منتجع ساحلي في مدينة سوسة أدى إلى مقتل 38 سائحا معظمهم بريطانيون، سبقه هجوم مماثل في متحف باردو بالعاصمة تونس على يد مسلحين قتل فيه 22 سائحا"؛ الأمر الذي أدَّى إلى إشاعة الرعب في المجتمع، وزيادة تردي الأوضاع الاقتصادية.

ولم تتوقف حالة الجدل بين مؤيد لمثل هذه القوانين ومتخوف منها في الإطار العربي، بل تجاوزتها إلى وسائل الإعلام الأجنبية؛ ففي أعقاب سن القانون التونسي، بادرت صحيفة "تاغس تسايتونج" الألمانية إلى التحذير من خشيتها أن تضع الحكومة التونسية "الإسلاميين المتطرفين والمعارضين المعتدلين في سلة واحدة، وأنَّ تستخدم أيضا نفس القدر من التحذير والقمع ضد الإرهابيين والعمال المضربين على حد سواء".

وبالنسبة للقانون المصري، فقد بادر مفوض الحكومة الألمانية لحقوق الإنسان في برلين كريستوف شتريسر، لحظة صدور القانون إلى التحذير من احتمال أن يقود إقرار القانون، إلى "التضييق على حرية التعبير وعلى حرية الصحافة، وبذلك يكون الطريق الخاطئ لسحب البساط من تحت أقدام الإرهابيين (مضيفا) بأنه لا يمكن أن يكون هناك استقرار دائم بدون ضمان الحقوق الأساسية واحترام حقوق الإنسان. ففي الأوقات الصعبة، خصوصا، يصبح الدفاع عن حقوق الإنسان وحمايتها ضروريا".

وعلى نحو مماثل، لا يقتصر أمر سن قانون لمحاربة الإرهاب على الدول العربية فحسب، ففي مطلع العام 2001، سارعت بريطانيا إلى سن قانون خاص بالإرهاب يخولها، كما نقلت صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية، "حظر المجموعات التي ترتكب أعمال عنف داخل أو خارج أراضيها، كما يمنح السلطات صلاحيات ملاحقة المؤيدين الذين يجمعون الأموال ويجندون الأعضاء الجدد للمنظمات التي تمارس أعمالاً إرهابية". وقد أثار ذلك الإجراء موجة نقاشات حادة بين مؤيد له ومتخوف من سوء تطبيق بنوده.

وعودة للقانون المصري المتعلق بالإرهاب، لخص العديد وسائل الإعلام أبرز البنود التي تثير الجدل والمخاوف في آن -ومن بينها: موقع "روسيا اليوم" الإلكتروني- التي تم حصرها في النقاط التالية:

- إنشاء محاكم متخصصة للنظر في جرائم الإرهاب، بدلا من الدوائر المعمول بها حاليا.

- إقرار عقوبة الإعدام لكل من يتزعم جماعة إرهابية أو يمول أعمالا إرهابية.

- فرض غرامة مالية كبيرة على كل من ينشر أخبارا أو بيانات غير حقيقية عن أعمال إرهابية، بما يخالف البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة الدفاع.

- السجن لمدة لا تقل عن 5 سنوات لكل من أنشأ أو استخدم موقعا في شبكة الإنترنت للترويج للأفكار أو المعتقدات الداعية إلى ارتكاب أعمال إرهابية.

- عدم معاقبة القائمين على تنفيذ هذا القانون إذا استعملوا القوة في أداء واجباتهم أو حماية أنفسهم من الأخطار.

كما رصدنا لقد أثار إصدار مثل هذه القوانين جدلا واسعا في صفوف النخب السياسية التي من الطبيعي أن يمسها، بشكل أو بآخر تطبيقها. ويبقى ما هو أهم من مجرد الجدل، كيف يمكن ضمان تطبيق مثل هذه القوانين كي تصل إلى الأهداف الذي تدعي الجهات التي تقف وراءها، أنها سنتها من أجل الوصول لها، دون المساس بالحقوق العامة التي تنص عليها قوانين حقوق الإنسان في الدول المتحضرة.

تعليق عبر الفيس بوك