وطن غني.. أمة فقيرة!

فؤاد أبو حجلة

قرأت إحصائية مستفزة تبين أنّ نسبة العاطلين عن العمل من الشباب العرب هي أعلى نسبة في العالم، بل إنّها تزيد عن ضعف متوسط النسب العالمية للبطالة بين الشباب، وتصل إلى 28 بالمائة من مجموع القوى العاملة الشابة في وطن عربي يسبح على بحر من النفط ويغطي ترابه ثروة كبيرة من المعادن وينفق ببذخ مثير للسخرية على الملذات الغريزية والحروب الغبية.

لا تتوفر لديّ إحصائية أخرى أجدها ضرورية لارتباطها بالفقر في بلادنا، وهي إحصائية الفساد المستشرى في هذه البلاد والذي يتم تسويقه بالشعارات الوطنية الجوفاء والشعارات الطائفية الحمقاء.

لكنني أظن، وليس كل الظن إثمًا، أنّ العرب يتصدرون العالم في الفساد أيضا، ويحتلون مراتب "مشرفة" في قوائم الفساد على مستوى العالم. ولولا هذا الفساد لما كان هناك مكان للبطالة في بلاد تتجاوز عائداتها النفطية فقط 700 مليار دولار سنويا.

خلق الفساد والارتباط الأعمى بالمشاريع السياسية الأجنبية، أمريكية كانت أم إيرانية، حالة من الإحباط غير المسبوق في أوساط الشباب العربي، ولو كانت هناك أداة قياس لهذا الاحباط لجاءت بنتائج صاعقة.

وليس غريبا أن ينكفئ ملايين الشباب العرب على أنفسهم، وأن يسخروا من النشيد القومي، وأن يصطفوا في طوابير طويلة أمام سفارات الدول الكبرى والصغرى وهم يحلمون بالهجرة والخلاص من الفقر والقمع والتجهيل في بلاد تمول مشاريع تخلفها وتجود بسخاء في تمويل الحروب بينما تستنكف عن بناء مستشفى أو مدرسة أو جامعة ناهيك عن مصنع أو مختبر علمي.

لنعترف أننا صرنا "مضحكة" بين أمم الدنيا، وأنّ بلادنا صارت مجرد ساحات للحروب الغبية والقتل المجاني والخراب، بينما تستعيد امبراطويات غابرة في الجوار أمجادها لتعيد الحياة إلى كسرى وإلى الباب العالي.. ولنقر بأننا وصلنا إلى هذا القاع بمحض إرادتنا وبقرارنا ويتواطؤ بين الحكومات التي تنفذ أجندات خارجيّة، والمجتمعات التي تنساق وراء غرائزها البدائية، والكهنوت الديني الذي يغذي التبعية العمياء للمرجعيات السياسية أو الطائفية أو الإرهابية، ومناهج التعليم التي تتغنى بأمجاد الماضي وتتجاهل مآسي الحاضر.. والشعارات التي تروج الأكاذيب.

نحن الآن أمة فقيرة تعيش في وطن غني، وتقتات على مخلفات العالم الصناعي، ويتحول فيها الإنسان إلى مجرد كائن متاح لتجريب فعالية السلاح الأجنبي المتطور.. ونحن بعيدون جدًا عن صناعة التاريخ، لأننا منهمكون في محاكمة تاريخنا القديم ومنقسمون بين عثمان وعلي.. وكلاهما مات قبل أكثر من ألف من السنين في الزمن العربي الحزين.

مطلوب منا الآن أن نرى واقعنا ومستقبلنا بعيون أمريكية أو بعيون إيرانية، بينما نحن نغني لزرقاء اليمامة!

ومطلوب منا الآن أن نجوع في حقولنا وأن نعطش على ضفاف أنهارنا وأن نتشرد في شوارع مدننا أو على أرصفة الغربة، وأن نظل صامتين لأن دوائر الأمن تؤكد أن الصمت من ذهب! ولأن الحكومات تجرمنا إذا شاركنا في مظاهرات أو اعتصامات تطالب بحقنا في العمل، لكنها تسهل خروجنا للموت غرقا في البحار قبل الوصول إلى بلاد اللجوء، أو الموت قتلا في "الجهاد" الذي يوصلنا إلى الجنة حين لا يكون ضد اليهود!

أعرف أنني، بطبعي، متشائم، لكن هذا الحال لا يمكن أن يقود إلى شيء غير التشاؤم والإحباط واليأس، في وطن عربي يعلي الفساد على العباد، ومن يرى الأمور بغير ذلك عليه أن يفحص عينيه وعقله وروحه.

بصراحة، تعودنا على ما نحن فيه، وصرنا نقبل كل الهراء عن عظمة واقعنا العربي باعتباره حقائق راسخة، لكن ما يستفزني هو الاجترار الممل لشعارات الأمة الواحدة.. والوحدة الوطنية.

ليست لدينا وحدة، لأننا لا نملك الوطن.

تعليق عبر الفيس بوك