عُرس دراسي.. والدعوة عامة

عائشة البلوشيَّة

كُنا نتسابق إلى الأعراس ونحن صغار لنجلس ونشاهد العيالة أو الغية (فن من الفنون الفلكلورية الرجالية في محافظة الظاهرة وأغلب وﻻيات السلطنة)، ولنتلذذ بالحلوى والهريس، وكان الجميع يشترك في العُرس دون دعوة؛ فالكلُّ يتوحَّد ليُصبح العرس نشاطا اجتماعيا مشتركا ويرفع عن كاهل أهل العروسين التعب، فتتوزع المهام؛ في ترنيمة اجتماعية غاية في الجمال. وبالطبع، لم تكن هناك القاعات الضخمة وﻻ الصغيرة لتحتضن الحفل، بل كانت القرية أو الحارة هي ساحة الاحتفال، ليعم الفرح كل بيت، ولكن فرح الصغار هو اﻷجمل والأبلغ في هذه المناسبة؛ فقد كنا نلبس الجديد والأجمل من ملابسنا، لنعبِّر عن فرحتنا الغامرة بهذه المناسبة، ونلهو بفرح طفولي عند منزل العروس.

قبل عام من اليوم، كتبتُ مقالا بعنوان "عام دراسي جديد ليس ككل الأعوام"، كتبته والدموع كانت حبري، وها أنا اليوم أكتب بكل تفاؤل عن عُرس دراسي ليس ككل الأعوام؛ فكل ما في هذا العام 2015/2016م يُعطي هذه المؤشرات الاحتفائية؛ فهذا العام يبدأ وسيِّد عُمان الأول قد عاد إلينا بعد غياب أليم؛ ليستمع -حفظه الله- يوم الثالث والعشرين من أغسطس 2015م (أول يوم دراسي في العام الجديد) إلى أبنائه مُنشدين بحناجرهم الصغيرة "يا ربنا احفظ لنا جلالة السلطان"، وهذا العام ترتدي عُمان الجميلة حلة "الخامس والأربعين"، وسيكون للنشيد وتحية العلم وقع خاص في نفوس أبنائنا.. إنَّه عام التفاؤل وعام النشيد، والدعوة عامة للجميع؛ ليسهم كل فرد في هذا الوطن بالجد والاجتهاد والمساهمات المادية والمعنوية.

عندما كنا ندرس في الخيام في الفترة المسائية، في بدايات التحاقنا بالمدرسة الابتدائية في السبعينات، كان اليوم الدراسي الأول هو بمثابة يوم العيد، نتهيأ له وكأننا نحضر للعيد أو لحفل عُرس بهيج؛ حيث يجب أن تكون الملابس جاهزة، من الرأس وحتى أخمص القدمين. أما حقيبة المدرسة، فهي الأهم؛ ﻷننا سنضع كتبنا الجديدة بها.. كنا نتسابق لنصل إلى المدرسة مشيا على الأقدام، أو على متن سيارة البيك أب، وبعد انقضاء اليوم الدراسي نعود إلى منازلنا وقد كُسِيْنا بطبقة لا بأس بها من جير الطبشور وغبار الهواء، وطبعا ﻷنه لم يكن قد تم اختراع حقيبة الظهر، فلم يكن لنا حينها سوى حملها على الأيدي أو فوق رؤوسنا، ورغم ثقل الحقيبة مقارنة بالأجساد الصغيرة، إلا أننا نعود والفرحة تعمر قلوبنا البريئة بتلك المجموعة الجديدة من الكتب، لنقضي بقية الليل في تجليدها وكتابة الواجب.

يأتي هذا العام الدراسي وهناك حراك جميل جدًّا من قبل القطاعين الخاص والحكومي، ليحس الطالب بأنَّه محور العملية التعليمية، وأنَّ أغلب الإجراءات تتم لرسم الفرحة على محيَّاه، ليستقبل العام الدراسي الجديد وكأنه يتأهَّب ليوم العيد، كم أعجبتني فكرة مشروع "حقيبتي المدرسية" الذي أطلقته وزارة التجارة والصناعة، والذي يضع الشراكة المجتمعية في إطار مرصع بالتعاون بين القطاعين الحكومي والخاص، ولا أغفل ذكر أحد المحال التجارية الجديدة في محافظة مسقط بولاية السيب، وأرفع له القبعة امتنانا؛ حيث سبق بمبادرته بالحقيبة المدرسية، وكذلك لن أغفل ذكر التعاون الرائع بين إحدى شركات الخدمات وإحدى مديريات عموم التربية والتعليم؛ حيث أطلقت مبادرة عدم شراء دفاتر المدرسة لطلاب الحلقة الأولى من التعليم الأساسي.

هذه الأمور التي يراها البعض بسيطة، وتصغُر في عيونهم، لا يدركون معانيها الصادقة لمن لم يتمكن من شراء مستلزمات الحقيبة المدرسية ﻷبنائه، ولا يعون مغزى الرسالة المغلفة، تحمل معاني سامية وكبيرة وتضرب أجمل الأمثلة في الشراكة المجتمعية، إنها تعطينا الدافعية لتشجيع هذه المبادرات، وأن تتكامل الخدمات بالتعاون بين شرائح المجتمع المتعددة، وأننا يد واحدة، وروافد وقنوات تصل لتصب في نهاية المطاف في بحر واحد، وهو بحر الإنسانية والمواطنة الصادقة والإحساس بالآخر، بارك الله في الجميع فـ"يد الله مع الجماعة".

---------------

توقيع: "الحقيبة المدرسية مشروع جميل، وهناك الكثير من الأمثلة التي يمكن للقطاع الخاص أن يضربها مساهما في بناء إنسان هذا الوطن".

تعليق عبر الفيس بوك