نحو تقنيين إجازات المسؤولين!

 

علي المطاعني

إنَّ صياغة ثقافة المجتمع نحو مزيدٍ من الجدية والالتزام واستغلال الوقت في البلاد، يفرضُ نفسَه بقوَّة على كل المستويات والفئات والشرائح في القطاعيْن العام والخاص في المرحلة المقبلة؛ لما يتطلَّبه العمل الوطني من إظهار هذه القيم، وتجسيد هذه الثقافة بداية من قمَّة الهرم إلى أدناه؛ لتوفير قناعات كاملة بأنَّ التغيير لا يمس الشرائح المتوسطة والصغيرة من الموظفين في السلطنة. ومن هذه الجوانب: الإجازات السنوية للمسؤولين (من مستويات مديري العموم إلى الوزراء في الحكومة والشركات والبنوك) والتي تترواح من 48 يوما إلى 60 يوما حسب قانون الخدمة المدنية المعمول به حاليا.. وهذه الإجازات طويلة قياسا بالأهمية التي يُمثلها المسؤول بالنسبة للعمل في وزاراتنا وهيئاتنا وشركاتنا، وكذلك تعطل أعمال المواطنين والمراجعين بشكل عام، ناهيك عن أنَّ المسؤول يجب أن يكون قدوة للآخرين في تقليل الإجازات وزيادة الإنتاجية وترسيخ ثقافة العمل في أجهزة الدولة؛ الأمر الذي يتطلَّب إعادة النظر في الإجازات السنوية لكبار رجالات الدولة بمختلف المستويات في الحكومة بقطاعيها المدني والعسكري على ألا تزيد على الثلاثين يوما.

فبلاشك أهمية الموظف تزداد في العُرف الإداري كلما زاد مستواه الوظيفي، خاصة في البلدان النامية التي لا تفوَّض فيها الصلاحيات للمسؤولين الأقل، أو أنَّ نسبة التفويض لا تتيح اتخاذ قرارات مهمة، وما يترتب عليه من ارتباط إنجاز الأعمال بذوي المستويات العليا في العمل الحكومي، وما يشوب ذلك من تعطيل لعجلة العمل في الوزارات والهيئات الحكومية والشركات.

وتصلُ الحال في بعض الجهات إلى أنه في حال عدم وجود المسؤول تُصاب تلك الوزارة أو الهيئة بالشلل الإداري، خاصة المهام التي تتطلب قرارا، تبقى في انتظار الفرج إلى أن يصل المسؤول من إجازته أو من مهمة رسمية أو المشاركة في اجتماع خارج البلاد وهكذا دواليك؛ لذا فإنَّ تقليصَ إجازات المسؤولين إلى ثلاثين يوما هو أحد الخيارات لدفع العمل في القطاع الحكومي، وتسريع آلياته على النحو الذي نتطلع إليه.

... إنَّ إجازات المسؤولين ما بين 48 يوما إلى 60 يوما كثيرة؛ فإذا حسبنا معدل شهرين في المتوسط و104 أيام عطلات أسبوعية، و15 يوما إجازات الأعياد والمناسبات...وغيرها، نجدها تلامس ما يربو على الـ180 يوما في السنة، وهي عبارة عن إجازات وعطلات لدى كبار رجالات الدولة من أصل 365 يوما، وهو ما يجب معالجته بتقليص الإجازة السنوية على الأقل إلى شهر كما هي الحال في الكثير من الدول.

... إنَّ تخفيضَ إجازة المسؤول قد يكون في صالحه؛ باعتباره مسؤولا عن هذه أو تلك الوحدة الإدارية ليسعى إلى إنهاء الأعمال ومتابعتها في وقت الدوام؛ فما نلحظه أنَّ اهتمامات المسؤولين للعمل تتجاوز أوقات العمل التي تطول إلى ما بعد الدوام بساعات، وتمتد للبيت لإنهاء البريد المتخم بالملفات، فضلا عن الالتزامات التي يفرضها المنصب الإداري بالقيام أو أداء بعض المهام بعد الدوام الرسمي.

الجانب الآخر أنَّ زيادة الإجازات يُضاعف العمل على المسؤولين في الأيام التي تسبق الإجازات؛ مما يُؤثر على الكفاءة في العمل واتخاذ القرار، وتأجيل العديد من الأمور التي ربما تكون ذات أهمية كبيرة، ويجب أن تُنجز في وقتها، أو يترتب عليها تبعات إدارية ومالية كبيرة.

... إنَّ قانون الخدمة المدنية ربما لم يُعالج هذه الجزئية التي وضعت منذ بدايات إعداد هذا القانون ولم تجرَ عليها تعديلات؛ لكونها تتعلق بقمَّة الهرم، ويتوجَّس المشرِّعون من المساس بمزايا كهذه، رغم أنَّ العديد من المسؤولين لا يرغبون بتلك الإجازات الطويلة طبقا للمسؤوليات التي يضطلعون بها في العمل الحكومي؛ لذا فإنَّ أيَّ تعديل لن يجد أية تحفظات.

لسنا بصدد مقارنات إجازات المسؤولين في الدول الأخرى، رغم أنَّ الكثير منها لا تتجاوز شهرا؛ فعندما نقترح أيَّ تطوير أو تعديل فإننا نضع مصالح البلاد والعباد في المقام الأول، والتضحية أينما تكون يجب أن تصب في صالح الوطن؛ فالوطن أحقُّ بكل التضحيات مهما كانت وأينما تكون من المسؤول قبل الموظف.

وبالطبع، نثمِّن دور كبار رجالات الدولة وحجم التضحيات وجسامة المسؤولية التي يضطلعون بها، وأهمية الاسترخاء والاستمتاع بالإجازات...وغيرها، لكن في المقابل التضحية يجب أن تكون من أعلى القمة إلى أدناها كما أسلفنا، ولأن البلاد بحاجة إلى أوقاتهم وقدراتهم.

نأمل دراسة هذا المقترح، ولا يمنع استطلاع آراء أصحاب العلاقة حول مدى إمكانية تقليص مثل هذه الإجازات وانعكاساتها على العمل في الجهاز الإداري للدولة.

تعليق عبر الفيس بوك