الافتتاحية

د. هلال الحجري

من الباحثين الأجانب الذين كرسوا جهودهم العلمية لعمان رجل يستحق التنويه وهو أتمرام ساداشيفا غراندين جاياكر، الذي ولد في بومباي عام 1844، وقد درس الطب في جرانت ميديكال كوليج 1862-1867، وفي يوليو 1867 حصل على ترخيص لممارسة الطب والجراحة من الكلية الملكية للأطباء في لندن. خدم جاياكر في الوكالة السياسية البريطانية في مسقطخلال الفترة 1873-1900، وهي الفترة التي شغل فيها منصب "القائم بأعمال المعتمد السياسي". تجول على نطاق واسع في عمانلأكثر من 27 عاما، وساهم بدراسات علمية رصينة في موضوعاللهجات العمانية. خلال إقامته الطويلة هذه، عمل على فتحآفاق جديدة في مجال التاريخ الطبيعي والثقافيلعمان. وفي عام 1877، كتب مقالا بعنوان "التضاريس الطبية لمسقط"، والذي نشر في "التقارير الإداريةلوكالة مسقط السياسية". واعترافا بجهوده العلمية في مجال التاريخ الطبيعي العماني أُطلِق على ماعز عماني نادر اسمjayakarihermitragus. وفي عام 1900، نشرجاياكر كتابا بعنوان "الأمثال العمانية" وهو عبارة عن مجموعة من الأمثال الشعبية العمانية، قام بجمعها وترجمتها حرفيا إلى اللغة الإنجليزية.

هذه الكتاب مهم للغاية؛ لأنه أول عمل يتناول الأمثال العمانية. إنه عمل قدم الأمثال العمانية للعالم منذ وقت مبكر جدا في القرن العشرين. ولم يكتف فيه المؤلف بجمع الأمثلة، وإنما قام بتشكيلها، وتفسيرها، وترجمتها إلى الإنجليزية، ونشرها بمقدمة رصينة، مضيفا إليها ما يشبهها من الأمثال الإنجليزية. إنه جهد دون شك مضنٍ، ويخدم الثقافة العمانية خدمة جليلة توازي ما قدّمه الميداني في موسوعته الرائدة حول الأمثال العربية، بل تمتاز عنها بجهد الترجمة والمقارنة الأدبية.

في مقدمته الهامة للكتاب يؤكد جاياكر بأن دراسة الحكم والأمثال السائرة لأية أمّة من الأمم ضرورية لفقهاء اللغة الذين تشكل لهم هذه الأمثال مخزنا قيّما للخصائص اللهجية واللغوية والأفكار الحضارية للشعوب، تماما كما هي أساسية للفلاسفة كي يتتبعوا فيها الينابيع العميقة للسلوك الإنساني. وأن من خصائص اللغة العربية أسلوبها الموجز الكثيف الذي يعبر عن الأفكار مهما كانت معقّدة. وهذه السمة، إضافة إلى ما يتميز به العرب من دقة الملاحظة، أدت إلى إنتاج أدب في الأمثال لا نظير له في أية لغة، ويستحق الدراسة.

ومما لاحظه جاياكر أثناء إقامته في عمان أنّ العمانيين يعتمدون كثيرًا على الأمثال في حياتهم، وهو مسلك يعبر عن الوعي والإثارة، فتجدهم في القصر أو الحقل أو السوق أو الطريق يعبرون عن حقائق غير مزخرفة بكلمات بسيطة قليلة، يلحظها حتى الأجانب العابرون الذين يتداخلون معهم في أحاديثهم اليومية.

من الأمثلة العمانية التي أوردها جاياكر في كتابه هذا المثل:

"إذا المتكلِّم مجنونْ، يكون المستمع عاقلْ"

ويورد له ما يوازيه من الأمثال الإنجليزية، وهو هذا المثل:

Believe not all you hear, and report not all you believe.

تعليق عبر الفيس بوك