عالم أزهري يقدم بحثا متخصصا حول "جهود العلماء العمانيين في مجال التفسير"

رمضان عطا الله: تفسير الخليلي يربط المفاهيم والمعتقدات الدينية بالمكتشفات العلمية

توصيات بتحقيق التراث الضخم من كتب العلماء العمانيين في كافة المجالات والتخصصات

مطالب بتشكل لجان متخصصة من علماء السلطنة لإعادة إصدار كتب التفسير بعد تحقيقها

مسقط - هنية الصٌبحية

قدم الأستاذ الدكتور رمضان عطا الله من جمهورية مصر العربية؛ بحثا مميزا بعنوان (جهود العلماء العمانيين في مجال التفسير.. الشيخ أحمد بن حمد الخليلي نموذجا) ضمن 18 بحثاً وأربعة محاور ناقشتها ندوة العلماء العمانيين والأزهريين والقواسم المشتركة بهدف تقوية أواصر التواصل الفكري بين الجامعة كمؤسسة فكرية أكاديمية ومنابر الثقافة ومصادر المعرفة في العالم العربي والإسلامي وركزت تحديداً على الأزهر الشريف الذي يُعد المحتضن الأول للمدارس الفكرية الدينية في العالم العربي. وبحثت الندوة في أربعة محاور هي: الدراسة العلمية بين عمان والأزهر، والتواصل الثقافي والتربوي، والرؤية العمانية والأزهرية وجهود العمانيين والأزهريين في خدمة الأمة الإسلامية.

وحول أسباب اختيار الدكتور عطالله لموضوع بحثه وتخصيصه للشيخ أحمد الخليلي من بين علماء السلطنة، كان لـ"الرؤية" مع الشيخ هذا الحوار...

وأوضح الدكتور عطا الله أن السبب الذى دفعه لاختيار هذا الموضوع حبه لسلطنة عمان وأهل السلطنة حكومة وشعبًا، وأضاف: عشنا على أرض السلطنة مدة كانت من أجمل الأيام، أما الأسباب الخاصة بالبحث فهي تتمثل في لفت أنظار الباحثين في العالم الإسلامي والعربي إلى علماء الأمة الإسلامية الذين كانت لهم إسهامات عظيمة في خدمة القرآن الكريم وعلومه. ومن الواجب على الباحثين في مجال الدراسات القرآنية أن يوجهوا الأنظار دائماً إلى القرآن الكريم وأن يجذبوا اهتمام الناس إليه بالأساليب المختلفة ومن جملتها تسليط الأضواء على الجهود العظيمة التي قام بها علماء الإسلام لتفسير القرآن الكريم وشرح آياته البينات، وبيان الدور العظيم الذي يقوم به الأزهر الشريف ورجاله، وذلك من خلال موافقة القائمين على أمره، بتسجيل الرسائل العلمية، وتدريس ما كتبه علماء الإسلام في تفسير القرآن الكريم، على الرغم من الاختلاف في المذاهب، والاتجاهات، وهذا دليل على وسطية الأزهر، وعدم تعصبه.

عطاء ديني متواصل

وتابع الدكتور: آثرت أن يكون الشيخ الخليلي وكتابه "جواهر التفسير" نموذجًا وذلك لعدة أسباب، منها أن مؤلف هذا التفسير، متعه الله بالصحة والعافية، وبارك في عمره، يعد واحداً من أفضل علماء سلطنة عمان ـ في العصر الحاضر، وعطاؤه مازال مستمرًا. وأن هذا التفسير يحظى بأمرين، الأول: أنه تفسير معاصر، ذكر فيه صاحبه القضايا الجديدة التي طرأت على العالم الإسلامي، وربطه بالواقع والمكتشفات العلمية الحديثة. والثاني: أنه تفسير مقروء ومسموع ومرئي، وذلك يؤكد نسبة الكتاب إلى مؤلفه. كما أنّ هذه الدراسة تعد مفتاحاً لتفسير الشيخ الخليلي إذ من خلالها يسهل التعامل مع تفسيره، والوقوف على منهجه بسهولة ويسر. وذلك بهدف التعرف على عـَـلَم من أعـلام التفسير وعالِم من علماء أمة الإســــلام.

وأكد الدكتور عطا الله أنه اختار عنوان البحث مركزا بهدف الاستفادة من خبرات المفسرين القدامى والمُحدَثين بالإطلاع على آرائهم وطريقتهم في مؤلفاتهم التفسيرية بالبحث والدراسة، إضافة إلى أن التراث العماني من كتب التفسير قليل جدا إذا قورن بغيره، فتسليط الضوء عليه، قيام ببعض ما يحتمه واجب الوفاء والعرفان لمن أقمنا معهم على أرضهم سنوات طيبة.

وحول تطرق الدكتور عطا الله في بحثه إلى الشيخ أبي الحواري ومن ثم الشيخ سعيد الكندي، قال إنه من المهم أن يتعرف الجميع على هؤلاء العلماء أمثال الشيخ الحوارى، والشيخ الكندي، حتى يقتدي كل إنسان بهم، ويكون الحديث عنهم وعن غيرهم من علماء عمان أكبر دليل على أن الحركة العلمية في عمان لم يخل عصر من العصور منها، وأن العلم في عمان له جذوره الثابتة على مدار التاريخ لايستطيع أن ينكرها إلا جاحد أو مكابر.

وأشار الدكتور عطالله إلى الأسباب التي دفعت الشيخ الخليلي، إلى تأليف كتابه في التفسير من أجل الإسهام في خدمة كتاب الله، والقيام ببعض الواجب نحو هذا الكتاب الكريم الذي يحمل في آياته الدعوة إلى الحق والخير ويحقق للناس السعادة في دنياهم وأخراهم. ومن ذلك قوله: (إذا كان العالم اليوم يقف على عتبة مرحلة جديدة يواجه فيها صحوة إسلامية مشرقة، يتألق نورها في عقول شباب المسلمين فإن الواجب يفرض على جميع المسلمين أن يضافروا جهودهم ـ كل بحسب ما يملك ـ وأن يحشدوا جميع طاقاتهم المادية والمعنوية للمحافظة على سير هذه الصحوة في مسلكها السليم وانتشارها بنور من وحي القرآن حتى لا يعتريها الشذوذ أو الانحراف. لذلك رأيت لزامًا عليّ أن أسهم في هذا العمل الإسلامي حسب طاقتي ولو بجهد متواضع وقد كنت من نحو عقد من السنين أحلم بأن أنال شرف خدمة القرآن لكن يصدني قصور نفسي وعظمة الأمر المطلوب وعدم توفر الوقت الكافي لمثل هذا العمل الخطير فبقيت خلال هذه المدة مترددًا بين طموح نفسي وشعوري بعجزها، حتى استخرت الله تعالى فتيسر لي إلقاء دروس في التفسير بجامع قابوس بروي أمام طلاب معهد إعداد القضاة وغيرهم وسائر المستفيدين، وكانت الفرص التي أتيحت لي للقيام بهذا العمل كأنما انتزعها القدر انتزاعًا من قبضة الدهر فأهداها إليّ أو اختلسها الجد اختلاسا من بين رقابة الزمن، فمنحني إياها والحمد أولاً وآخر لله الذي له الفضل والمنة).

التنويع في المصادر

وتضمن البحث إشارة إلى أن الشيخ لم يعتمد في كتابة التفسير على مصادر أهل الإباضة وإنما أخذ من المصادر المتنوعة التي تخدم تفسيره وأضاف إليها تحليله، ويعد الدكتور عطالله ذلك دليلا على كثرة مصادر الشيخ وغزارة معارفه وثقافته الواسعة التي أحاطت بالكثير من فنون عصره، وإفادته من كتب الأقدمين وعلوم السابقين على اختلاف مذاهبها وتباين اتجاهاتها فلم يفرق بين كتب الإباضية و كتب أهل السنة مادامت تخدم عبارته وتتلاءم مع تفسيره.

وعن أهمية تفسير جواهر التفسير للقدماء والمحدثين والجديد الذي أضافه تفسيرالشيخ أحمد للأمة، قال الدكتور عطالله: يعد كتاب التفسير للشيخ الخليلي، من أنفع وأوسع وأشمل كتب التفسير العمانية، ومرجعاً مهمًا للعمانيين في التفسير، وجزءاً من تراثهم، فقد تم تأليفه في العصر الحاضر، جمع فيه صاحبه بين التفسير بالمأثور، والتفسير بالرأي، وضمنه التحقيق الفقهي، والبحث اللغوي، والحوار الهادئ، ومعالجة أمراض الأمم والمجتمعات، مع ربطه بالواقع والمكتشفات العلمية، وقد صاغ عباراته بأسلوب رائع ودقة تامة، مراعياً البعد عن المبهمات من الألفاظ، والحشو الذي لا فائدة منه، فكان له من اسمه جواهر التفسير" نصيب".

وحول الفصل الثالث من البحث ومطالبه التي ضمنها إياه، قال الدكتور عطالله: كان من أوسع الفصول وتمثلت مطالبه في: الأول وهو اهتمام الشيخ الخليلي بمباحث علوم القرآن، والمطلب الثاني والذي ركزت به حول اهتمام الشيخ الخليلي بالتفسير بالمأثور، والمطلب الثالث والذي أخذ تركيزي حول اهتمام الشيخ الخليلي بالتفسير الموضوعي وأيضًا المطلب الرابع وهو اهتمام الشيخ الخليلي بالقراءات، والمطلب الخامس وقد كان عن اهتمام الشيخ الخليلي بأسباب النزول، بالإضافة إلى المطلب السادس واحتوى على اهتمام الشيخ الخليلي بالقضايا الفقهية، والمطلب السابع كان محتواه عن اهتمام الشيخ الخليلي بعلم بالمناسبات والمطلب الثامن جاء محتواه حول اهتمام الشيخ الخليلي باللغة العربية وعلومها، وأخيرًا المطلب التاسع وقد ركزت فيه حول اهتمام الشيخ الخليلي بقضايا العقيدة.

توصيات بتحقيق التراث

وحول أبرز وأهم التوصيات التي يوجهها الباحث للمسؤولين والمهتمين بطباعة كتب التفاسير، قال الدكتور عطالله: أوصي القائمين على كليات السلطنة بأن يأخذوا على عاتقهم مهمة تحقيق هذا التراث الضخم من كتب العلماء العمانيين تحقيقاً علمياً دقيقاً في كافة المجالات والتخصصات، وأن يغرسوا في نفوس طلابهم الاهتمام بتراث الأقدمين حتى يتم ٍإخراج هذه الكنوز إلى مكتبات الجامعة، كما أوصى بأن تشكل لجان علمية من علماء السلطنة الأجلاء للنظر في كتب التفسير بصفة خاصة، وبكتب التراث وغيرها بصفة عامة، والإشراف على إصدار هذه الكتب بعد إتمام تحقيقها، وإخراج هذه الكنوز لطلاب العلم، حتى ينتفعوا بها، كما أوصي الباحثين في مجال الدراسات القرآنية، بالاهتمام بكتب التفسير فهي كثيرة ومفيدة، ولا زالت في حاجة إلى دراسات كثيرة، والمجال فيها واسع بخلاف من يرى أن مجالات البحث انتهت، وأن السابقين لم يتركوا شيئاً لمن بعدهم، كما أنّ على الباحثين النظر إلى تفسير الشيخ الخليلي، فهو أرض خصبة غنية بالمادة العلمية ويحتاج إلى جهود الباحثين وعنايتهم به للاستفادة منه، وإضافة إلى ذلك أوصي القائمين على دور الطباعة في السلطنة بالاهتمام بتفسير الشيخ الخليلي فهو يحتاج إلى جهود مضنية لتحقيقه وتنقيحه وطباعته طباعة جيدة تتناسب مع قيمته العلمية، إذ النسخة الموجودة بالمواقع الإلكترونية فيها الكثير من الأخطاء المطبعية التى لا تستقيم معها العبارة ويصعب فهمها والانتفاع بها، وبها أيضاً: بعض الأخطاء في كتابة الآيات القرآنية وعزوها إلى سورها وأخيرا أوصي بضرورة احترام الآخرين في ما ذهبوا إليه من آراء، والتحلي بأدب الخلاف، وأخلاق العلماء، فرأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب.

تعليق عبر الفيس بوك