محطات استوقفتني .. من شيراز!

سيف بن سالم المعمري

Saif5900@gmail.com

أتاحت لي مرافقة أسرتي في رحلة العلاج لمدينة شيراز بالجمهورية الإسلامية الإيرانية خلال الأسبوع الماضي الفرصة للتعرف على طبيعة المدينة وإرثها التاريخي والحضاري وطبيعة الإنسان في المدينة التي تكتظ بالزوار والسياح الذين يفدون إليها من كل مكان للعلاج والسياحة حيث تشتهر مدينة شيراز بكثرة المؤسسات الصحية والتي كسبت شهرة وثقة كبيرة عند زوارها وخاصة العُمانيين الذي يفدون إليها بالمئات لعلاج العيون علاج آلام الظهر والمفاصل وزراعة الشعر وغيرها حيث كفاءة الأطباء والتشخيص الدقيق والعلاج الملائم ونجاح العمليات الجراحية في علاج العيون.

وقد تهيأت لي زيارة خمس من تلك المؤسسات الصحية كما استثمرت وجودي في المدينة وبرفقة أسرتي في زيارة المعالم التاريخية والمزارات السياحية التي تشتهر بها المدينة والتي من بينها بوابة القرآن التي تعد من معالم المدينة البارزة، وحديقة عفيف آباد والتي تشتهر بوجود المتحف العسكري الذي يضم مئات الأسلحة والقطع والآليات العسكرية الثقيلة كالدبابات التي تعود إلى عصور مختلفة ومن بينها الأسلحة التي استخدمت في الحربين العالميتين الأولى والثانية، كما زرنا حديقة الزهور وحديقة آزادي والسجن المركزي (سجن كريم خان) والذي أصبح متحفًا ومزارًا يفتح لجميع السياح وزوار المدينة.

ورغم أنّها ليست المرة الأولى التي أسافر فيها إلى خارج السلطنة فقد سبق لي زيارة دول أخرى لكنها الأولى للجمهورية الإسلامية الإيرانية والتي استوقفتني فيها عدة محطات وأولها الأعداد الكبيرة للعُمانيين رجالاً ونساءً وأطفالاً شيبًا وشبانا والذي يقصدون الجمهورية بوجه عام ومدينة شيراز بوجه خاص للعلاج وقضاء الإجازات ومعظمهم يرتدون الأزياء الوطنية العُمانية وما رأيته من الترحاب والتقدير ودماثة خلق الشعب الإيراني تجاه العُمانيين والذي لمسته بنفسي من مختلف شرائح المجتمع في شيراز، كما لمست المحبة والتقدير التي يجلها الشعب الإيراني للسلطنة وقيادتها الحكيمة وهي بلا شك علاقة تاريخية وثيقة الصلة والتي تجسدها العلاقة الوطيدة بين القيادتين الكريمتين في البلدين.

أما المحطة الثانية التي استوقفتني فهي ثقافة المواطن الإيراني في التعامل مع السياح والزوار حيث لا يلتفت إلى خصوصية أي سائح أو زائر بل يقدم له العون والمساعدة متى ما طلب منه ذلك سواء أكان في الفندق أو الشارع أو المحل التجاري أو السوق أو سائق التاكسي أو المستشفى أو في المواقع السياحية والمزارات التاريخية، ولا يحاول أن يستغفلك أو يستغلك مادياً بل يحاول أن يبصرك بالعملة الإيرانية ومقاربتها بالعملة العُمانية لتبسيط الحسبة للزائر أو السائح، وهي بلا شك ثقافة رائعة جدًا ونحتاجها لتترسخ في مجتمعنا ليكون للمواطن دور في دعم القطاع السياحي في السلطنة، صحيح أن الإنسان العُماني معروف بدماثة خلقه ورقي تعامله مع السياح وزوار السلطنة لكن التأكيد عليها والتوعية بها تعد ذات أهمية بالغة، خاصة وأننا نسمع عن انتشار ظاهرة استغلال واستغفال السياح والزوار في كثير من الدول العربية والتي تتسبب في نفور السياح وعدم شعورهم بالطمأنينة والسكينة عند زيارة تلك الدول.

أما في المحطة الثالثة فقد استوقفني المواطن الإيراني الذي لا يكل ولا يمل من العمل وهو يواصل الليل بالنهار في مختلف الحرف والمهن ولا يترفع عن البسيط منها فرأيتهم في جميع الأنشطة يخدمون أنفسهم بأنفسهم ولا ينتظرون الحكومة لتبحث لهم عن فرصة عمل في مؤسساتها الإدارية المدنية منها أو العسكرية، وهي رسالة لشبابنا بأن الرزق موجود حيث طرقت أبوابه وأن العمل عبادة، وأن الوطن بحاجة إلى سواعد الجميع، وأن الأوطان لا تبنى إلا بسواعد أبنائها، بل استوقفني إلى جانب الإخلاص في العمل من جانب المواطن الإيراني اهتمامه بنظافته الشخصية وبهندامه فمن تراه يعمل في بقالة أو سائق تاكسي أو بائع متجول ستجده مهندماً وأنيقاً وكأنه ليس لديه عمل سوى اهتمامه بذاته ومظهره الشخصي.

والمحطة الرابعة التي استوقفتني في مدينة شيراز هي كثرة المؤسسات الصحية والازدحام الشديد عليها حيث يفد الناس للعلاج من مختلف المحافظات الإيرانية ومن دول الجوار ومنها الدول العربية بالإضافة إلى المواطنين العُمانيين والذي يعدون الأكثر بين المترددين على تلك المؤسسات الصحية بعد المواطنين الإيرانيين، وبرغم ذلك الازدحام إلا أنها تقدم خدماتها التشخصية والعلاجية بمنتهى الجودة والاتقان ولا يستغل الطبيب عناء المريض الذي قدم من خارج حدود مدينة شيراز، فإن كان يتطلب علاجه بالدواء قدم له الوصفة الطبية وإن كان يريد إجراء عملية جراحية أشعره بذلك وبين له نسبة نجاحها وأثرها الإيجابي عليه وإن كان الأمر يتطلب تأجيل العملية يبلغ الطبيب المريض بذلك ويقنعه بنصيحته الطبية، وتساءلت حينها لماذا لا تستثمر السلطنة علاقتها الوطيدة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية لإلغاء التأشيرات عن العُمانيين والعكس، وتقوم بفتح المجال للاستثمار وتحفيز رجال الأعمال والأطباء الإيرانيين لفتح فروع لمؤسساتهم الصحية في السلطنة؟

وفي المحطة الخامسة استوقفتني أهمية استثمار المواقع التاريخية والأثرية والمزارات السياحية حيث تجد مئات السياح والزوار لتلك الأماكن من الإيرانيين ومن زوار مدينة شيراز وجميعهم يدفع رسوما للدخول وإن كان السائح الخارجي حسب ما يسميه الإيرانيون يدفع أكثر من المواطن، وتساءلت في حينه: لدينا في عُمان أكثر من 500 حصن وقلعة وبرج بالإضافة إلى المواقع التاريخية والأثرية والتي أدرج بعضها في قائمة اليونيسكو للتراث العالمي بالإضافة إلى العيون والأودية المائية الجارية وقد أنفقت الحكومة مليارات الريالات لترميمها ولكن لا تزال أعداد الزوار خجولة جدًا من المواطنين العمانيين والسياح ولا تتناسب وحجم ما صرف من أموال للترميم والعناية بها.

أما المحطة الأخيرة فهي أن الاستثمار في الموارد البشرية هو أكثر الموارد تأثيرا في رقي الأمم وتقدمها وأن التسلح بالعلم والعمل دافعان للإنجاز، وأن النفط ناضب لكن استثمار الطاقات البشرية وتحفيزها على العمل والإنتاج ضمان للاقتصاد المتين والحياة الآمنة المستقرة للمجتمع بعيداً عن حسابات تقلبات الأسواق العالمية.

تعليق عبر الفيس بوك