يوسف وجابر.. مفتيان في السجن عن فضيلة الصبر عند المحنة

مسقط - هشام الغنيمي

استوقفتني آيات شريفات من كتاب الله، وربطت قصة يوسف عليه السلام والإمام جابر بن زيد رضي الله عنه. وهي توضّح كيف كانت أحوال الرجال العظماء في أوقات الشدة: صدق الإمام جابر بن زيد رضي الله عنه عندما قال هذه العبارة المليئة بالتعجب: (أتحبسونني، ثم تستفتوني؟!). فهل يُعقل لبني أمية أن يحبسوه ليمنعوه من الذهاب للحج ثم يرسلوا إليه الناس ليستفتوه؟ ومع ذلك فلم أقرأ أنّه ردّ أحداً جاء يطلب الفتيا.

واصل هذا المنع جاء عندما استأذن للذهاب الى الحج (لأنه رُوي عنه أن يحج في كل عام ليلتقي بالعلماء ويتدارس معهم العلم)، فلم يأذنوا له، بزعمهم أنّ الناس بحاجة له في البصرة، فلا يحج هذا العام. لأنه كان يُعد مفتيا لأهل البصرة كما قال عمرو بن دينار وهو أحد علماء التابعين: (ما رأيت أحدا أعلم بالفتوى من جابر بن زيد)، وكان إياس بن معاوية وهو قاضٍ البصرة في عهد عمر بن عبد العزيز يقول : (أدركت أهل البصرة ومفتيهم جابر بن زيد). أما عبد الله ابن عباس فكان يقول : (لو أن أهل البصرة نزلوا عند قول جابر بن زيد لأوسعهم علماً عمّا في كتاب الله)، كما وصفه (ابن عمر) (أنه من فقهاء البصرة البارزين) بينما قال عنه قتادة: (إنه عالم العرب). ولكنه أبى أن تسلب حريته منه، فأودعوه في السجن غير مكترثين بعلمه ومكانته واحترامه.

ولكن أناساً ذهبوا لمن أمر بسجنه ليشفعوا له وقالوا للأمير: ها قد فات الوقت، لن يلحق بالحج، فأخرجه من سجنه. فأخرجوه، وذهب مسرعًا الى بيته، وأمر أهله بتجهز الزاد له، وركب ناقته، ولم يتوقف إلا في عرفات في التاسع من ذي الحجة (لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الحج عرفة)، وأخذت ناقته تصيح، من التعب.

وبينما كنت أقرأ ذات يوم في سورة يوسف عليه السلام، وجدت نفس الشكوى ولكن بصورة أخرى، كما قال الله تعالى {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ} يوسف50 .

وأصل هذه القصة هي رؤيا رآها العزيز في منامه فأتعبت من معه إذ لم يقدروا على تعبيرها، (وهذا بالفعل تقدير العزيز الحكيم ليخرج السيد الصابر الكريم ابن الكريم من السجن) فتذكر ذلك الرجل الذي قد عبّر له يوسف عليه السلام رؤياه في السجن كما ذكر الله في قوله{وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَاْ أُنَبِّئُكُم بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ }يوسف45) فجاءه واستفتاه وهو في سجنه مظلوم متمسك بتقواه وثابت كالحصن الشامخ وقال له:

{يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ } يوسف46

فهما إذاً كانا في منصب الافتاء، ولكن نزل عليهما ظلم فحبسا. أما يوسف عليه السلام، فكأنه حبس احتياطا رغم براءته.

وجابر بن زيد، لم يفعل شيئاً البتة، فحبسوه كرهاً كي لايسافر للحج.

فتذكر أيها القارئ كيف كانت أحوالك في أوقات الشدة، وهل حكّمت الحكمة والصبر واحتساب ذلك لله تعالى إذا نزل الظلم عليك؟

ويا ترى، أين تلك الرسائل التي تقرأها عن تطوير ذاتك، واحتمالك على صعوبات الحياة. وأين ما تعلمته من ترويض نفسك، والإمساك بزمام أفعالك ؟! (لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون) [يوسف:١١١] نحتاج جميعاً إلى وقفات، قبل أن نتصرف تجاه أي شدة ومحنة. فلربما كانت منحة من الله تعالى ولكن على صورة محنة. وفي الحديث (إنما الصبر عند الصدمة الأولى أو عند أول صدمة).

تعليق عبر الفيس بوك