عفوا سيدي الوزير القادم من واشنطن 1 – 2

عبيدلي العبيدلي

إذا ما حاول مراقب سياسي تلخيص ما تمخض عنه اجتماع وزير الخارجية الأمريكي جون كيري الخاطف مع نظرائه في مجلس التعاون الخليجي، يوم الإثنين الماضي الموافق 3 أغسطس 2015، فيمكن القول إن الأساس يتمحور، كما جاء على لسان كيري، حول تطمين "الحلفاء الخليجيين القلقين من الاتفاق النووي مع إيران وانعكاسه على الأمن في المنطقة ". أما إذا أراد المراقب ذاته قراءة النتائج المباشرة المترتبة على هذا اللقاء، فلن تكون أكثر من الإسراع في وتيرة تسليح دول المنطقة، وزيادة كميات الأسلحة التي سوف تطلبها خلال الفترة القصيرة القادمة. وهو أمر لم يخفه الوزير الأمريكي، بل كان واضحا جداً في تصريحات التي قال فيها. "توافقنا على تسريع بيع بعض الأسلحة الضرورية والتي استغرقت وقتاً طويلاً في الماضي... كما توافقنا على البدء بعمليات تدريب محددة جدًا، بهدف تبادل وتقاسم معلومات استخباراتية ... فضلاً عن زيادة عدد التدريبات العسكرية التي نقوم بها معاً... إنها بعض الأمثلة عن رؤيتنا لكيفية تعزيز أمن المنطقة وتحسين التعاون".

ومن أجل رؤية صائبة لتقويم ذلك اللقاء الخليجي -الأمريكي، لا بد من وضعه في إطار الأحداث التي تمر بها المنطقة، وفي المقدمة منها الأوضاع في شبه الجزيرة العربية وحوض الخليج العربي، والتي عبرت عنها تصريحات المسؤولين في دوله.

يأتي في طليعة تلك التصريحات، ما ورد على لسان الرئيس الإيراني حسن روحاني على أعتاب عقد ذلك اللقاء الذي قال فيه "إن الاتفاق النووي مع القوى الكبرى سيخلقمناخا جديدا لتسوية الأزمات الإقليمية مثل اليمن وسوريا، (مضيفا في خطاب متلفز) سنشدد على مبادئنا في المنطقة، إلا أنه من المؤكد تماما أن الاتفاق النووي سيخلق مناخا جديدا لتسويات سياسية أكثر سرعةللأزمات في المنطقة، (مشددا) على أن الحل في النهاية سيكون سياسيا في اليمن، وفي سوريا أيضا الحل سيكون سياسياً في النهاية. إن الأجواء ستكون أفضل قليلا للتحركات التي سنقوم بها، كما سنحافظ على مبادئنا".

على نحو مواز أكد كيري في مؤتمر صحافي في القاهرة مع نظيره المصري سامح شكري، قائلاً "بما أن إيران تقوم بأنشطة تزعزع الاستقرار، فمن الأفضل بأشواطألا تملك سلاحا نوويا".

جاءت تصريحات روحاني وكيري تلك في أعقاب تنديد وزير الخارجية السعودي عادل الجبير بـما وصفه "بالتصريحات العدائيةالتي صدرت عن مسؤولين إيرانيين بعد أن كانت إيران اتهمت البحرين بزيادة التوتر عبر توجيه اتهامات اعتبرت ألا أساس لها من الصحة ضد طهران".

إذا وضعنا تلك التصريحات، وأخرى كثيرة غيرها، في إطار تحليلي متكامل، فيمكننا أن نستخلص ما يلي:

1.أن الاتفاق النووي الغربي-الإيراني، قد قطع شوطا طويلا ولصالح المشروع النووي الإيراني، لا يمكن العودة عنه، ولا التراجع عن خطواته. بمعنى أن واشنطن اكتشفت أن ليس في وسعها وقف ذلك المشروع، وأن عليها أن تكتفي بحقها في مراقبته، وربما الإبطاء من وتيرة تطوره، وليس أكثر من ذلك.

2.أن المشروع الأمريكي لإعادة ترتيب المنطقة، لا يتعارض كما قد يتوهم البعض، مع المشروع الإيراني، دون أن يعني ذلك وضع طهران في خانة العمالة لواشنطن. ففي مثل هذا المدخل الكثير من التسطيح السياسي. لكن مما لا شك فيه أن هناك الكثير من النقاط التي لا يتعارض فيها المشروع الإيراني للمنطقة، مع نظيره الأمريكي، ومن ثم فليس هناك إخلال بثوابت الاستراتيجية الأمريكية الكبرى القائمة على أربع مرتكزات أساسية: ضمان أمن الكيان الصهيوني تحت غطاء الحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة، الحيلولة دون قيام نظام (دولة أو مجموعة دول) عربي قوي يكون مؤثرا بشكل ملموس على إعادة رسم خارطة الشرق الأوسط في صورته الجديدة، تدفق النفط بالكميات المطلوبة التي تحتاجها الأسواق الغربية، دون الإخلال بأسعاره التي لا ينبغي أن تشكل تهديدا لاستقرار تلك الأسواق، وأخيراً تدفق الأسلحة الغربية، بما يخدم مصلحة الاقتصادات الغربية، ويساعد في انتشالها من تحت وطأة المشكلات البنيوية التي تئن منها.

3.القبول بدور متزايد لإيران - ليس بالضرورة واضحًا، لكنه معترف به -في إعادة هندسة الأوضاع في منطقة حوض الخليج العربي على نحو لا يحرج دوله العربية من جانب، لكنه يزيح من على كاهل إيران آلام حلقة الحصار المفروض عليها خلال الثلاثين سنة الماضية، من جانب آخر.

ولكي تحقق واشنطن هذه الاستراتيجية، وفي سرعة تضمن لها الانتهاء من وضع معالمها النهائية قبل الغرق في لجة بحور الانتخابات الرئاسية القادمة، فمن المتوقع أن نشهد تحركا على المستويين السياسي والعسكري يمكن تلخيصهما على النحو التالي:

على المستوى السياسي، شوف نشهد تحركا أمريكيا في اتجاهين متوازيين: الأول منهما ضمان عدم استقرار المنطقة، بل ربما إشعال المزيد من الحرائق العسكرية والاجتماعية على أراضيها. وعليه فمن غير المتوقع أن تهدأ الساحات العربية الملتهبة خلال الفترة القريبة القادمة، سواء تلك التي تشهد صدامات مسلحة مباشرة، أو تعاني من احتقانات وتوترات اجتماعية متلاحقة تنفجر، بين الفينة والأخرى، في أشكال عنيفة تتكرر وفقاً لآليات تتحكم فيها ظروف الدولة التي تنفجر فيها. أما الثاني منهما، وعلى نحو مواز أيضًا، فمن المتوقع أن نشهد تصعيدا واسع النطاق لوأد كل دعوات التغيير أو حتى الإصلاحات الطفيفة، لأن الاستجابة لمثل الدعوات تشكل إرباكا للمشروع الأمريكي الأعم والأشمل الذي يحاول إعادة رسم خارطة المنطقة. ومن ثم فمن المستبعد أن تشهد المنطقة خلال الفترة القريبة القادمة، اللهم إلا بعض الاستثناءات التي تثبت صحة مقولات القاعدة، أية انفراجات، حتى محدودة، قبل تبلور الصورة النهائية للمشروع الأمريكي في إطاره الضيق، والغربي في فضائه الواسع.

تعليق عبر الفيس بوك