الفساد آفة تنخر في جسد المنظومة الإدارية.. وعرقلة النمو وطرد الاستثمار من السلبيات المحتملة

تشديد الرقابة وتعزيز منظومة الإصلاح الإداري ووضع التشريعات اللازمة.. آليات للردع

المواجهة الحازمة للفساد تنقذ المجتمع من تبعات سلبية لا حدود لها

الكعبي: غياب الشفافية والنزاهة في تطبيق القوانين أبرز أوجه الفساد المؤسسي

الهنائي: جهل الموظف بالقوانين قد يتسبب في زيادة الفساد الإداري

الغافري: التكاسل عن الإنتاج وعدم الالتزام بقواعد العمل من صور "الفساد الخفي"

الجملاني: الرغبة في كسب المال السبب الرئيس في الفساد الإداري

الشيزاوي: "الواسطة" أسوأ أشكال الفساد وتقضي على التنافس الشريف

الرؤية- فايزة الكلبانية- سعاد الوهيبية

أجمع عدد من المسؤولين والمختصين، على أنّ الفساد آفة تنخر في جسد النظام الإداري للدولة، مشيرين إلى أن تفشي الفساد في بيئة عمل ما يتسبب في طرد الاستثمار الأجنبي وعرقلة النمو الاقتصادي للدولة.

وقالوا إن غياب الوازع الديني واختلال منظومة القيم وضعف القوانين الرادعة من أبرز أسباب الفساد الإداري، لافتين إلى أهمية تشديد الرقابة وتعزيز منظومة الإصلاح الإداري ووضع التشريعات الرادعة لمواجهة الفساد بأنواعه.

وعرفوا الفساد الإداري بأنه "الحالة التي يدفع فيها الموظف نتيجة لمحفزات مادية أو غير مادية غير قانونية، للقيام بعمل ما لصالح مقدم الحوافز، وبالتالي إلحاق الضرر بالمصالح العامة، لافتين إلى أن استخدام سيارة العمل لقضاء الحوائج الشخصية، والتأخر عن الدوام دون عذر يمثل كذلك شكلا من أشكال الفساد الإداري، علاوة على استغلال المنصب لتحقيق منافع شخصية مثل حيازة أراضٍ أو توظيف أقارب دون الاستناد إلى خبرات يعد أيضًا فسادًا إدارياً.

ويعرف سعادةالدكتور سعيدبن خميس الكعبيرئيس الهيئة العامة لحماية المستهلك "الفساد الإداري" بالقول إن منظمة الشفافية الدولية حددت مفهوم الفساد بصورته العامة على أنه "استغلال السلطة من أجل المكاسب والمنافع الخاصة"، لذلك لا يمكن فصل الفساد الإداري عن السياق العام لمنظومة الفساد التي تشير بصورة مؤكدة إلى انتشار الفساد في كل منظومة المجتمع، وإن كانت بمستويات متفاوتة من مجال أو قطاع إلى آخر. ويرى الكعبي أن مفهوم الفساد يتمثل في "غياب المسؤولية المجتمعية وانهيار منظومة القيم في المجتمع ككل"، مشيرا إلى أن الفساد في الكثير من الحالات عبر التاريخ كان بداية النهاية لأي منظومة وهو قاصمة الظهر لبنيان أي مجتمع، فمتى ما انتشر الفساد في منظومة معينة من منظومات المجتمع- سواء كانت المنظومة إدارية أو اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية أو قضائية- إلا وتهاوت معها بقية المنظومة إن لم تقف بحزم وشدة في وجه أي صورة من صور الفساد إن أرادت التسلل إلى أيّ جزء من المنظومة الكلية.

أشكال الفساد

وعلى الرغم من تعدد أشكال الفساد الإداري إلا أنّ معظم هذه الأشكال أوجه لظاهرة واحدة تعبر عن ممارسات غير مشروعة خارجة عن القانون، وحول أشكال الفساد الإداري، أوضح سعادته أن أوجه وأشكال الفساد تتعدد، لكن النتيجة في النهاية واحدة، وهي غياب العدالة الاجتماعية وتهاوي أركان المجتمع فيما بعد، لافتاً إلى أن هناك من يميز بين أشكال الفساد ومظاهره، وهناك من يجمع بينها، وهو أمر أشبعته الأدبيات الثقافية بحثاً ودراسة، ولكن بصورة عامة تتمثل أنواع الفساد في الفساد السياسي، والفساد الاقتصادي، والفساد الاجتماعي والأخلاقي، والفساد الإداري، والفساد الثقافي، والفساد البيئي. وأوضح أن هذه الأشكال بمختلف أنواعها بمثابة حجر عثرة أمام تطور أي مجتمع، وحائل حقيقي دون تحقيق الجهد البشري لأهدافه، كما أنها فيروس الفناء للقضاء على أي مجتمع، فمتى ما استشرى الفساد اقترب فناء المجتمع.

وأكد سعادة رئيس الهيئة العامة لحماية المستهلك أن أسباب الفساد الإداري متنوعة، لكن أبرزها غياب الوازع الديني واختلال منظومة القيم لدى الأفراد، وبالتالي لا يهتم الفرد إلا بالمصلحة الفردية الخاصة ولوعلى حساب المجتمع ككل. وتابع أن غياب الرقابة الحقيقية والمحاسبة من أهم مسببات انتشار الفساد الإداري، فكما يقال "من أمن العقوبة أساء الأدب". وأوضح الكعبي أن من مسببات الفساد كذلك غياب القدوة وانحراف القيادات الإدارية، مما يعطي مثالا سيئاً لصغار الموظفين ويمنح مسحة من المشروعية الخاطئة للفساد في نظر هؤلاء، وهي مسحة لا يقرها دين ولا خلق ولا تشريع، كما أن غياب الشفافية والوضوح وغموض الأدوار والإجراءات يساعد على انتشار الفساد، وكذلك ضعف المشاركة الشعبية في ممارسة الرقابة البرلمانية على الأعمال العامة يساعد على انتشار الفساد، بالإضافة إلى الفقر وانخفاض الدخول مع ضعف الوازع القيمي والديني لدى البعض، واتساع الفجوة بين طبقات المجتمع.

مؤثرات الفساد

ونظرا لتأثير الفساد على التنمية الاقتصادية وبالتالي إفراز العديد من النتائج السلبية، فقد أشار سعادة الدكتور إلى أنّ الفساد آفة تنخر في جسد الدولة ككل وتؤدي إلى عواقب وخيمة في مختلف جوانب الحياة ومنها المجال الاقتصادي الذي تتأثر خطط ومشاريع التنمية والتطوير فيه بمستويات الفساد فالدول التي ينخفض أو ينعدم فيها مستوى الفساد تكون اقتصادياتها ميدانا رحبا للنمو والتطور وجذب الاستثمارات الناجحة والفعالة مما يؤدي إلى قوة الاقتصاد ومتانته، أما الدول والمجتمعات التي ينتشر فيها الفساد في مختلف أشكاله فإنّها تصبح بيئة طاردة للاستثمارات الداخلية والخارجية، فضلاً عن أنّ الفساد سبب رئيسي في تفشي الفقر وتركز الثروات وارتفاع أعداد الباحثين عن عمل، بالإضافة إلى التسبب في هدر الموارد بسبب تداخل المصالح الشخصية بالمشاريع التنموية العامة والكلفة المادية الكبيرة للفساد على الخزينة العامة للدولة كنتيجة لهدر الإيرادات العامة، كما أنّ الفساد يتسبب في هجرة الكفاءات الاقتصادية نظرا لغياب التقدير وبروز المحسوبية والمحاباة في تولي القيادات والمناصب.

ويرى الكعبي أن هناك آليات مكافحة الفساد الإداري، حيث إن الوقاية خير من العلاج وبالتالي فإن الحرص على عمليات الإصلاح الإداري والترتيبات الوقائية ووضع التشريعات القانونية الرادعة وتربية النشء على ثقافة الالتزام القيمي ورفض الفساد بكل أنواعه والتوعية المستمرة بمخاطر وآثار الفساد، وإذا لم تأت الوقاية بنتائجها المرجوة فإنّه يتم وضع آليات مكافحة الفساد موضع التنفيذ حيث تعتبر المحاسبة والمساءلة من أهم آليات مكافحة الفساد، فالمكافحة الحقيقية والناجحة تحتاج للضرب بيد من حديد على كل رؤوس الفساد، وكذلك تطبيق قيم الشفافية والنزاهة وتأصيل مبادئ الرقابة الحقيقية حكوميا وشعبيا.

تضارب المصالح

فيما قال الدكتور أشرفبن طالبالهنائيأستاذ مساعد بكلية العلوم بجامعة السلطان قابوسإن الفساد الإداريليس جديدا فقد جاء ذكره في كل العصور، منذ أيام قارون، وأفرد له الرسول عليه الصلاة والسلام حديثاً واضحًا يوجز المعنى. بالتالي فحصر الفساد فيما يسبب الضرر بالمصلحة العامة ليس بالضرورة صحيح، فقد يكون الفعل لا يسبب ضرراً للمصلحة العامة ومع ذلك يعتبر فسادًا. من هنا يكون الفساد أكثر ارتباطا بتحقيق النفع لغير ذوي الحق سواء أضر بالغير أم لم يضر بهم. أما عن أشكال الفساد الإداري، فقال الهنائي: "بالإضافة إلى النوع الأول من الفساد وهو التربح من المنصب سواء لمصلحة الفرد أو مصلحة آخر، هناك نوع ثانٍ، خفي، من الفساد الإداري ربما أقل ظهورا لكنه لا يقل تأثيرا، ألا وهو الكبر، فالموظف يكون غير ملم ببعض الأمور والقوانين أو التشريعات، لكنه يرتجل ما يراه صحيحاً في اللحظة، وإذا نبهناه إلى الخطأ أخذته العزة بالإثم وكابر وأصر على الخطأ. وأصل هذا النوع من الفساد لا يختلف عن النوع الأول المتعارف عليه، فهناك يتربح الفاسد مادياً وهنا يتربح معنويا، وكلاهما دون حق".

وفيما يتعلق بأسباب الفساد الإداري، وآثاره، أوضح الهنائي أن السبب الأساسي لهذه الظاهرة هو ضعف النفس، فالفاسد لا يقوى على مقاومة شهوة المال في النوع الأول من الفساد المتعارف عليه، ولا يقوى على مقاومة شهوة السلطة في النوع الثاني من الفساد. وتابع قائلاً: "لو أن آثار الفساد تحصر في مقال واحد لما أفرد لها الرسول عليه الصلاة والسلام خطبة بعد الصلاة، لكن لو أردنا التوضيح فقط، فيمكن أن نعدد الخسارة المادية للمواطن وربما هذا أهون الخسائر. ثم خسارة الثقة بين المواطن وتلك الجهة التي تمارس الفساد، فإن كان الفساد في جهاز من أجهزة الدولة، كان ذلك سببًا في فقدان الثقة بين المواطن وأجهزة الدولة كافة. وربما انساق المواطن نفسه إلى ممارسة شكل من أشكال الفساد لتعويض خسارته".

ويذكر الهنائي أن المستثمر عندما يأتي إلى سوق جديدة فهو يتوقع حداً أدنى من الشفافية والنزاهة في هذا السوق. والعالم اليوم قرية صغيرة والشفافية والفساد لها معايير ومقاييس منشورة لكل الأقطار، فإذا انتشر الفساد في بلد ما؛ فإن رأس المال سوف يحجم ويهرب من هذه الأسواق، وفي الوقت نفسه سيجذب الفساد رؤوس الأموال الفاسدة والشركات التي تنتعش بمثل هذه الممارسات فيزداد الفساد ويتضاعف، وذلك كله ينصب تحت مظلة تأثير الفساد على التنمية الاقتصادية.

وبالحديث عن آليات مكافحة الفساد الإداري، أكد الهنائي أن التوعية والتثقيف لهما دور أساسي في مكافحة الفساد، لكن الوسيلة الأقوى هي الردع، فالقوانين الواضحة وتطبيقها على الجميع دون تمييز من شأنه أن يخلق بيئة عمل طاردة للفساد.

"البطالة المقنعة"

فيما يعرِّف مالك بن ناصر الغافري، (باحث في علم الاجتماع) الفساد بقوله إنّ الفساد الإداري هو تقديم المصالح الشخصية على المصالح التي يخدمها العمل، وتتجسد في السرقات المالية، والتسرب من العمل، وعدم إتقان الخدمة، وتأخير المستفيدين، وكل ما يضر بأهداف العمل أو مصالح المستفيدين.

أما عن أشكال الفساد، فيرى الغافري أن الفساد ينقسم إلى نوعين، فهناك فساد ظاهر، وهناك أيضاً فساد خفي. وعن الفساد الظاهر يقول الغافري: "فالظاهر مثلاً كالسرقات المالية وتهرب المسؤول من مسؤولياته والركون للراحة المبالغ فيها وتقليص ساعات العمل بجانب عدم الإنتاجية وتأخير مصالح المستفيدين وتأخير مستفيد لحساب مستفيد آخر بحكم المعرفة أو المصلحة الشخصية، فكل هذا من شأنه أن يضعف من جودة الخدمة وأن يكبد المؤسسة تكاليف مالية غير محسوبة".

وأضاف الغافري أن هناك أيضًا شكلا خفيا للفساد وهو ما يسمى بالبطالة المقنعة، وهي نوع من أنواع البطالة حسب تقسيم بعض المنظرين في علم الاجتماع، وتعني وجود الموظف على رأس العمل لكن دون إنتاجية حقيقية، مشيرا إلى أن هذا الموظف يشكل عبئا على المؤسسة كونها تتكبد دفع راتب شهري، في المقابل يؤخر الموظف الإنتاج أو الخدمة في المؤسسة. ويرى الغافري أن هذه البطالة تتشكل بسبب عدم تكوين شخصية عاملة حقيقية تؤمن بالعمل كرسالة وواجب وطني، بل ينظر إلى الوظيفة على أنها ممارسة يومية تدر له المال، ولكن يجب علينا أن ندرك أن الوظيفة رسالة وخدمة للوطن والمجتمع فقد قال رسول الله "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عَمَلًا أن يتقنه"، فعلى كل واحد منا أن يدرك عمق ممارساتنا والارتقاء عن الفهم السطحي.

ويرى الغافري أن السبب الأبرز وراء الفساد هوغياب الضمير وضعف الوازع الديني وضمور الفكر التنموي، مشيرا إلى أن للفساد آثار كثيرة منها سرقة الأموال وزيادة التكاليف المالية مع ضعف الإنتاجية وتأخر المصالح وتضاربها وصرف أموال في غير ما حسبت له.

وأكد الغافري أنه من الصعب القضاء على الفساد بين ليلة وضحاها، مشيرا إلى أنه يمكن مكافحته من خلال تأسيس كوادر تؤمن بالفكر قبل المادة، إضافة إلى القوانين الصارمة التي تنفذ على الجميع دون استثناء كلًا حسب جرمه وإفساده.

ويعرّف طارق علي الروشدي الفساد الإداري بأنّه أي عمل من شأنه أن يؤخر أو يعيق سير العمل الإداري في المؤسسة التي يعمل بها ذلك الموظف. وأضاف أن أشكال الفساد الإداري لا تعد ولا تحصى، فهو يختلف من مؤسسة لأخرى، فعلى سبيل المثال استخدام سيارة العمل لقضاء الحوائج الشخصية يعد فسادا إداريا، والتأخر عن الدوام دون عذر يعد فسادا إداريا، كما أن استغلال المنصب لتحقيق منافع شخصية مثل حيازة أراضٍ توظيف أقارب دون الاستناد إلى خبرات يعد فسادا إداريا.

انعكاسات الفساد

وقال مرتضى بن محمد جواد إبراهيم الجملاني خبير التأمين عضو لجنة المال والمصارف والتأمين بغرفة تجارة وصناعة عمان إنه يمكن تعريف الفساد الإداري بأنه أي عمل يقوم به الفرد أو المؤسسة بهدف كسب المال والسمعة والمكانة دون الرجوع للموافقة من ذوي العلاقة، ما يسبب التلف أو فقدان الممتلكات والأصول وينتج عنها الأضرار المادية والمعنوية.

وأضاف أن الفساد الإدارييتجلى في أشكال متعددة؛ منها عدم الشفافية وتضليل المعلومات، والمبالغة في نتائج الأداء بهدف الترويج، وعدم التقيد بمواد القانون لتحقيق أهداف الشركة مما ينعكس على الأداء الشخصي، إلى جانب التعاطف مع الشخص أو المؤسسة التي قامت بعمل الفساد الإداري وترويجه أمام المجتمع.

وأوضح أنّ الفساد الإداري قد يظهر لعدة أسباب منها كسب المال والجاه والسمعة أو لتنشيط سعر السهم الشركة في سوق الأوراق المالية أو لكسب تقيم ائتماني عالمي جيد أو لتغطية الخسائر المتراكمة أو تغطية أخطاء إدارية سابقة، معربا عن أن آثاره كبيرة على القطاع المالي والاقتصادي والقانوني والمجتمع من أهمها فقد ثقة الفرد والمؤسسة وجهة الإشراف والرقابة وانهيار المؤسسة مما يسبب البطالة وخسارة رأس المال وفقد سمعة المهنة التي تعمل بها المؤسسة أو الفرد، وبالتالي يتحمل المجتمع الأعباء المالية والأخرى. وتابع اللواتي أن عدم التقيد بالأنظمة والأعراف والقوانين له تأثيرات كبيرة جداً وانعكاسات سلبية على أداء الفرد أو الشركة أو الاقتصاد الوطني، مما يسبب انهيار الكيانات المالية وهروب رؤوس الأموال من البلاد مما يسبب انتشار البطالة وانشغال في المحاكم والقضاء وينعكس على المجتمع. وأشار إلى أن من أهم وسائل مكافحة الفساد الإداري التركيز على التعليم والتثقيق والعقاب وإشهار أنجح الوسائل، ومراجعة أجور ورواتب والحوافز باستمرار وتبديل أدوار ومهام العمل.

تجاوزات غير قانونية

فيما يرى محمد الشيزاوي أن الفساد الإداري يمكن تعريفه بأنه مجمل التجاوزات غير القانونية التي قد يقوم بها الموظف لتقديم المصلحة الشخصية على حساب مصلحة العمل والمؤسسة، وقد تكون هذه التجاوزات عن طريق الالتفاف على القوانين الموضوعة. وفي المجمل فإن الفساد الإداري هو النوع الثاني من أنواع الفساد بعد الفساد المالي. وعن أشكال الفساد.. قال الشيزاوي: "تتنوع أشكال الفساد الإداري في أي عمل مؤسسي، ويبدو أن ما يسمى في اللغة العامية "بالواسطة" أو تغليب العلاقات الشخصية على المسار الطبيعي لسير العمل هو أكثر أنواع الفساد الإداري انتشارا". وأضاف الشيزاوي: "وتعد الرشوة إحدى أشكال الفساد الإداري، فعلى الرغم من ارتباطها بالجانب المالي إلا أن الرشوة قد لا تكون على شكل مادة، بل تتعدى إلى توفير خدمات مشتركة بين الموظفين، مما يتسبب في ضرر لسير العمل الطبيعي".

ويشير الشيزاوي إلى نوع ثالث للفساد الإداري؛ إذ يقول: "ومن أنواع الفساد الإداري أيضًا ما يمكن أن نسميه بالتسيب أو عدم الإيفاء بواجبات العمل، وبالتالي تقاضي عوائد مادية تفوق إنتاجية الموظف. كما أن استغلال موارد المؤسسة واستخدامها في الأغراض الشخصية يمكن أن يدخل في دائرة الفساد الإداري".

وعن أسباب الفساد، يقول الشيزاوي إن ضعف القوانين الرادعة أو تعطيلها، وبالتالي تلاشي الوازع القانوني لكل من تسول له نفسه، يعد سبباً لظهور الفساد. كما أن عدم انتماء الموظف للمؤسسة وولائه لها يعد من الأسباب التي قد تدفع بالموظف ممارسة الفساد، وهناك أسباب تتعلق بشخصية الموظف نفسه كعدم احترام الوقت وعدم تحمل المسؤولية.

وفي ما يتعلق بآثار ظاهرة الفساد الإداري، قال الشيزاوي: "الآثار متعددة وكثيرة، إذ تبدأ بقلة الإنتاجية وهدر الموارد، إضافة إلى تنامي الشعور بعدم المساواة لدى موظفي المؤسسة، وبالتالي فشل المؤسسة في تحقيق أهدافها بشكل عام". ويعتبر الشيزاوي انتشار ظاهرة الفساد في دولة مما يحول مناخ الاستثمار فيها إلى بيئة طاردة؛ إذ تتجنب رؤوس الأموال الخارجية المغامرة في مثل هذه البيئات، كما أن الفساد بأنواعه يتسبب في تأخر التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلدان نتيجة انتقال الموارد الاقتصادية من أن تصرف في تحسين الخدمات الاجتماعية ودفع عجلة التنمية في المجتمعات إلى جيوب شريحة بسيطة هي شريحة الفاسدين. كما أن للفساد دور عكسي تجاه ثقافة العمل والإنتاج وقيم المساواة والعدل في المجتمع.

وعن آلية مكافحة الفساد، أوضح الشيزاوي أن آلية مكافحة الفساد الإداري تتركز في سن القوانين الصارمة ووضع العقوبات المناسبة تجاه هذه الظاهرة، كما أن تعزيز الوعي بهذه الظاهرة له دور في منع انتشارها، وذلك من خلال الدورات والورش المقدمة للموظفين، إضافة إلى ذلك فإنّ تعزيز قيم العمل والإنتاج واحترام الوقت وتحمل المسؤولية له دور إيجابي في الوقاية من هذه الظاهرة.

تعليق عبر الفيس بوك