قرار وزارة التجارة ودلالات الحوار!

علي المطاعني

يكتسبُ الحوارُ والتفاعلُ الكبيرُ والمتباينُ الذي أثاره قرارُ وزارة التجارة والصناعة حول منع استيراد السيارات التي يزيد عمرها على السبع سنوات، دلالات كبيرة؛ أهمها أنَّ هذا التفاعل صحِّي يعكسُ صحَّة المجتمع بتباين آرائه وأفكاره حول ما يخدمه، وإبداء المواطن -أو المستهلك بشكل عام- رأيه فيما يخصه في الحياة العامة؛ مما يُجسِّد عُمْق الفلسفة التي تسود المجتمع في اتخاذ القرار وتأييده ومعارضته، وإبداء الرأي حول ما يُتَّخذ في البلاد بغض النظر عن طبيعة القرار وأهميته ووقعه.

فهناك العديد من السياسات والإجراءات التي ربما لا ترضى عنها شريحة كبيرة من المجتمع لأمور عديدة، ولكنها في المقابل تهمُّ الدولة أو تخدم الصالح العام، وذات مغازٍ وأهداف تحقق المصلحة العامة؛ فهذه الروح التي تسود في معالجة الأمور تعبِّر عن مدى تقبُّل الآراء والنقد والردود وكيفية التعاطي معها بالإيجابية التي تصل في نهاية المطاف إلى قناعات بأهمية مثل هذه أو تلك القرارات في إدارة الكثير من الأمور في السلطنة، وهو ما نتطلَّع إلى تجسيده في مناقشة القضايا بروح ترتقي بالحوار وتعمِّق المشاركة إلى ما هو أهم.

فمن الطبيعي لمثل هذه القرارات وغيرها أن تثير هذا الجدل في المجتمع باعتبارها تمس مصالح شرائح كبيرة في المجتمع كما يسوق بعض المتنفعين، إلا أننا يجب أن نقول بأنها غير مباشرة؛ أي لا تمس حياة الناس بشكل مباشر؛ لذلك فالنقاش الذي ساد لا يرقى إلى ذلك المستوى من التعاطي السلبي مع قرارات ترى الجهات المعنية بأنها تخدم الصالح العام، ولا تتعلق -كما يُثير البعض- بمصالح شخصية أو مُجاملات كما يرى البعض الآخر؛ فالدول لا تنظر إلى مثل هذه الأمور في إدارة سياساتها، والتعاطي مع الشأن العام برؤى أعمق وأشمل ربما تغيب عن الكثير من أبناء المجتمع لدواعي الاطلاع على مثل هذه الأمور، أو لم يكونوا على دارية بما هو لصالحهم من جوانب عديدة.

الأمرُ الآخر الذي وجب تحسينه هو أسلوب الحوار في المناقشات العامة وعدم تحييد الهدف من الحوار وتشعيبه إلى أمور أخرى تعكس ضعف الرؤية وضيق الأفق في التعاطي مع الشأن العام؛ فمثل هذه القرارات يجب أن تشبع في المناقشة من زواياها، ليس التطرق إلى جوانب أخرى ليست ذات علاقة؛ فهذه الأطروحات تجعل الحوارات غير ناضجة والرؤى غير مكتملة الأركان؛ فالاختلاف صحي ولكن يجب أن يكون في جوهر الموضوعات المطروحة وسلامتها من عدمه وبطرق راقية تعكس سمو الآراء في المجتمع والترفع عن النيل من جهات وأشخاص بعينهم، والتهكم بشكل غير لائق؛ لأنَّ ذلك يُفقد الحوار معناه وروحه التي نتطلع أن تسود في بلادنا.

الأمرُ الأهم أيضًا هو أنَّ التعاطي مع مثل هذه القرارات لا يجب أن يكون سلبيًّا، وينطلق من زوايا ضيقة جدًّا -وهي المصلحة الشخصية للبعض- أو يحقق مصالح فئات معينة؛ فالمتضرِّر من مثل هذه القرارات لا يُمثل فئة كبيرة جدًّا من المجتمع، إلا أن نوسع منه وتنجاذبه بشكل كبير، فلو دقَّقنا في الأمور بشكل سليم سنجد أنَّ عدد السيارات المستوردة في العام 60 ألف سيارة في المتوسط حسب الإحصائيات أو معدلاتها، وربما لعدد 30 ألف مستورد في المتوسط بواقع سيارتين لكل مستورد أو مورد. وفي المقابل، لو دققنا في عدد السيارات التي تجاوز عمرها 7 سنوات، والتي سيطبق عليها القرار بمنع استيرادها، ربما نجد العدد لن يزيد على 3 إلى 5 آلاف سيارة فقط، والمستوردون لا يتجاوزون ألف شخص من المتاجرين بالسيارات وأصحاب العلاقة المتضررين كما يدَّعي البعض، فلو سلَّمنا بهذه البيانات فكم عدد المتضررين من هذا القرار؛ سنجد أنَّهم لا يمثلون واحدًا من عشرة بالمائة من عدد السكان؛ مما يعني أنه ليس له أي تاثير على الناس كما يسوِّق له البعض ويضخِّمه إلى هذه الدرجة، ويدل ذلك على أنَّ الكثيرين لا يُدقِّقون فيما يطرحون أو يناقشون بشكل علمي وقع القرارات وتأثيراتها على المجتمع من عدمه، وإثارة الزوبعة ليست وفقا لعدد المتضررين وإنما كون استخدام وسائل التواصل الاجتماعي هي التي جعلت "من الحَبَّة قُبَّة" وهو ما يجب أن ندركه، أنَّ هذه المتغيرات جعلتْ الكلَّ يفتي بما لا يعلم ويهرف بما لا يعرف.

الجانبُ الآخر الذي يجبُ أن نتعلَّمه هو التكيُّف مع الإجراءات التي تتخذها الدولة؛ وذلك بتحويل التحديات إلى فرص للتغلب عليها وليس مواجهتها المجردة فقط، دون إيجاد حلول لمثل هذه الأمور؛ لأنَّ ذلك يعكس في الواقع القدرة على مواجهة المشكلات والتحديات وعدم الدوارن حول أنفسنا دون أن نخرج إلى فضاءات تساعد على التعاطي بإجابية.

فاليوم.. نجد قرارًا عاديًّا يقضي بالحد من استيراد سيارات عمرها الافتراضي منتهٍ وأضرارها على المواطن أكبر؛ فأغلب المواطنين يقعون ضحية تلاعب أصحاب المعارض في الدول الأخرى، وتكلفة السيارات المستوردة مع فارق العملة والجمارك مع تحمل تكاليف السفر وغيرها ورداءة المركبة أكبر من عملية شرائها من السوق المحلي حتى وإن كانت جديدة؛ فإذا لم نستطع أن نتعاطى مع هذه الإجراءات العادية -والتي لا تمثل أي ضرر مباشر على المواطن- بالإيجابية التي يجب أن تكون، فغدًا سوف تتخذ قرارات أكبر وأصعب وذات علاقة مباشرة بحياة الناس وتحتاج إلى تضحيات كبيرة من المواطنين، فكيف يمكن مواجهتها والعمل بها؟! ألا يتطلب ذلك منا التكيُّف معها بالكيفية التي تعكس قدراتنا وتفاعلنا الإيجابي، والتغلب عليها بشكل يبلور سياساتنا في ترشيد الإنفاق تارة والحد من الاستهلاك تارة أخرى؟

... إنَّ هذا القرار وغيره لم يأت بلا هدف، أو أنه موجه لأي جهة أو فرد، أو لصالح أي وكالة..وغيرها مما يُتداول؛ فهذه -كما أكدنا- غير واردة في سياسات الدولة، خاصة في بلادنا التي لا تُدار من أفراد وحسب، أو لصالح فئات كما يثير البعض، وإنما جاء بعد أن اتضحت العديد من الأضرار الجسيمة التي يتكبَّدها المواطن قبل كل شيء، ويقع فيها الأفراد سواء في الحوادث وأضرار البيئة...وغيرها من الأمور.

نأمل أن نكون على اطلاع بما نناقشه ومدى تأثيره، وكيفية التغلب عليه وتأثيره على السكان وبأي شكل ونسب التحمل إذا كانت؛ فالوعي بمثل هذه الأمور هو الحد الفاصل فيما يطرح ونناقش قضايا الرأي العام، وأيضا أن نثق في أن الجهات الحكومية أو الحكومة بأكلمها هم مواطنون ويرون الصالح العام ويعملون على تحقيقه لمصلحة البلاد والعباد، وليس لأي شيء آخر، وأن تكون ثقتنا بإخواننا الموظفين والجهات الحكومية أكبر من بعثرة كلمات من هنا وهناك، والتلفظ بألفاظ غير لائق بأن تخرج من أفواهنا وحساباتنا الإلكترونية.

تعليق عبر الفيس بوك