العبري: المحافظة على العبادات في رمضان تعظيما لله تجنب الانتكاسة باقي العام

الرُّؤية-مالك الهدابي

قال الباحثُ بدر العبري إنَّمن أعظم النعم على المسلم أن يُوفق لصيام شهر رمضان المبارك، ليُدرك نفحاته وبركاته، ويقضى نهاره صائما، وليله قائما، ويراقب في شهره مولاه لعله يكتب من المتقين الأبرار، والفائزين الأخيار، فحق لهذا الصائم أن يفرح ويبتهج؛ فقد جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه".

وأضاف العبري بأنَّمن أعظم الصفات التي يتميز بها المسلم الحق صفة المداومة على الطاعة لقوله تعالى: "الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ"، فلا معنى للانقطاع عن العبادة بعد رمضان، ولا معنى لترك الواجبات الشرعية بعد الشهر، ففي رمضان يتلو آيات ربه قائما وقاعدا وعلى جنب، وبعد رمضان اتخذ القرآن مهجورا. ولا معنى للمحافظة على صلاة الجماعة في هذا الشهر، وإذا ما انقضى هجر المساجد والجمعات؛ بل لا معنى لحفظ الجوارح في رمضان عن الوقوع في الحرام، وإذا ما دخل أول أيام الفطر أطلق لجوارحه العنان لتفعل ما تشاء، كان في رضا الرب أمفي سخطه.

وتابع العبري بأنَّ الانقطاع عن العبادة بعد رمضان، والرجوع إلى المعصية من جديد، سببه أمران؛ الأول: اتخاذ رمضان عادة لا عبادة، والثاني: تعظيم رمضان لذاته، والله تعالى في آيات الصيام كتب التقوى والمراقبة الدائمة لصنف واحد فقط، لصنف المعظمين لله وحده، الواقفين عند حدوده وحرماته، يقول تعالى: "تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ"؛ فأضاف الحدود إليه جلّ جلاله، ولم يضفها إلى رمضان، فرمضان فترة زمنية خلقها الله تعالى لا تنفع ولا تضر، وإنما نحن نعظم هذه الفترة لأن الله هو الذي أمرنا بتعظيمها لا لذاتها. ومن هنا، كان مبدأ المسلم العمل لله وحده، وعدم الإشراك به بأي شرك مادي أو زمني، "وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ".

وأشار العبري إلى أنَّالله -جلَّ في علاه- لا يحدّه زمان ولا مكان، فهو موجود في رمضان وشوال وغيرها من الشهور، لذا وصف الله تعالى المنتهكين لحرماته بأنهم ما قدروا الله حق قدره، أي لم يعظموه حق عظمته، وإنما قد يلتزموا بأمر، أو يبتعدوا عن نهي، عادة أو مراعاة لعرف عام، ولكن لا تلبث هذه العادة أو هذا العرف أن يتخلخل إذا ما هيأت الأسباب لخرق هذا العرف وهذه العادة.

وأكد العبري أن الذي يعبد الله في رمضان تعظيما لله، ويبتعد عن النواهي خوفا من الله؛ لا يمكن بأي حال أن ينتكس بعد رمضان؛ لأنه يعلم إنما رمضان محطة وقود يتزود فيه بالتقوى، ليكون أكثر صلاحا وتقوى في سائر العام.والله تعالى جعل بعد رمضان مواسم للمسابقة إلى الخيرات بعد التقيد بالواجبات،فحبب قيام الليل في سائر العام، وجعل فيه الفضل الكبير، والخير الجزيل.والصدقة مندوبة في سائر العام؛ بل قد تكون في غير رمضان أو جب منها في رمضان، إذا كانت متعلقة بنقذ روح، أو إعانة فقير محتاج إلى الصدقة حاجة شديدة، أو إقامة مشروع ونحوه.فالله تعالى جعل أيام العام وشهوره ميدانا للتنافس والتسابق، وزمنا لمراقبة الله فيه، وهذا دليل قبول العمل الصالح في رمضان، فهلا كان رمضان محطة جديدة لفتح صفحة بيضاء مع الله في سائر العام، ومحطة للتزود بالعمل الصالح لنواصل المسيرة مع الله في سائر العام.وينبغي للمسلم أن يضع جدولة لاستغلال شهور العام، وأن يكون له وقفة في آخر كل شهر يحاسب فيها نفسه، ويستمر على هذه العادة حتى يلقى ربه، وقد استغل وقته وحياته في مرضاة الله، وبذلك يحضى بالسعادة في دنياه، والفوز في أخراه.

تعليق عبر الفيس بوك