معا لبناء مجتمع متماسك!

سيف المعمري

saif5900@gmail.com

تُعد حفلات الأعراس أو حفلات الزفاف من أهم المناسبات السعيدة التي يحتفل فيها أبناء المجتمع العُماني على مدار العام والتي تتجسد فيها صورة التآلف والتواصل المجتمعي، ورغم الوعي الملحوظ في المجتمع العُماني خلال السنوات الخمسة عشرة الماضية فيما يتعلق بتقليل المهر أو ما يعرف بالصداق والذي كان يشكل عبئا كبيرا جدا على الشباب المقبلين على الزواج إلا أنّه - ولله الحمد - هناك وعي من أولياء الأمور في التقليل من المهر أو الصداق والذي أصبح في الكثير من محافظات السلطنة يتراوح بين الأربعة آلاف وخمسمائة والست آلاف وخمسمائة ريال عُماني شاملة المهر والذهب والملابس ومأدبة العرس سواء كانت مأدبة غداء أو عشاء عند أهل المرأة المتزوجة وهي مبالغ مناسبة جدا للشباب وللوضع العام لأسعار الذهب ومستلزمات العرس؛ إلا أنّ هناك مظاهر جديدة دخلت إلى حفلات الأعراس أو الزواج وباتت تمثل عبئا إضافيا على العريس، وتتسبب في ارتفاع المصاريف وقد تتجاوز جميع مصاريف العرس إلى ما يزيد على العشرة آلاف ريال عُماني.

ومن بين المظاهر الجديدة للأعراس هو إقامة حفلة بعد عقد القرآن فيما تعرف بحفلة الملكة أو تلبيس الدبة والتي في الأغلب يتم تنظيمها بطلب من العروسة أو أهلها ويتم في الحفل استئجار الخيام وإقامة مأدبة بالإضافة إلى مصاريف فستان العروسة للملكة وتجهيزات الكوشة( المنصة التي يجلس عليها العروستن) ومصاريف التصوير والقهوة والحلوى العُمانية، والملابس الجديدة لأهل العروسين من النساء والتي لا تقل إقامة الحفلة عن ألفي ريال عُماني وهي تضاف إلى مصاريف المهر وحفلة العرس، وفي الماضي كانت الملكة أو عقد القرآن يتم إمّا في صبيحة يوم العرس أو قبله ولكن بدون إقامة حفلة بل يتم العقد بحضور العريس وأهله وولي أمر العروسة وأقاربه في أحد بيتي العروسين أو في المسجد القريب من البيت أو في المجالس العامة. وتشهد حفلات الأعراس أو الملكة إقامة مأدبة الغداء أو العشاء وتتم فيها المبالغة في إعداد كميّات اللحوم والأرز والتي يذهب معظمها وللأسف الشديد إلى حاويات القمامة دون أن يستفاد منها، مع عدم اكتراث العرسان للمبالغ التي تهدر لتلك الحفلات وكميّات الطعام الذي سيتم رميه في القمامة وهي مبالغ كان الأولى أن يستفاد منها في تنظيم وسعادة الأسرة بدل أن يتم إرهاقها بالديون والتي يلجأ أكثر الشباب إليها من خلال البنوك.

كما أنّ هناك مظاهر غير حضارية تشهدها حفلات الزفاف حينما يتم اصطفاف عشرات المركبات لنقل العروسة من بيت أهلها إلى بيت الزوج حيث تشهد حفلات الزفاف التهور والطيشان من المشاركين في الزفة من حيث تعطيل الطرقات والسرعة الزائدة والتجاوز الخاطئ وإزعاج من في الطريق بالأصوات والمفرقعات ورمي قصاصات الورق والمبالغة في الضغط على المزامير وإطلاق النار من الأسلحة التقليدية وكذلك القيام بعمليّة التفحيط في الطرقات وقبل وبعد الانتهاء من الزفة بالقرب من منزلي العروسين.

كما أصبحت الرحلات الخارجيّة للعريسين أو ما تعرف بشهر العسل إلى الدول الآسيوية والأوروبية من العادات الدخيلة على المجتمع العُماني والتي زادت من مصاريف الزواج وساهمت في لجوء العريس إلى الاستدانه من البنوك لكي يجابه نظرة المجتمع نحوه لكونه لم يسافر مع عروسته لقضاء شهر العسل.

وما تلك المظاهر إلا دليل على أنّ هناك حاجة ملحة لكل المقبلين على الزواج إلى برامج تثقيفية وتوعوية حول معرفة كيف يبني المتزوجون حياتهم بطريقة صحيحة بعيدا عن عبء الديون؟ وكيف يمكن التقيّد بالعادات الاجتماعية في الحشمة والعفة والستر للمرأة؟ حيث يلاحظ أنّ الأعراس وما تصاحبها من لبس الفساتين للعروسة ولمن حولها من النساء هي في معظمها غير ساترة وتظهر مفاتن المرأة وأجزاء كثيرة من جسمها وما يصاحب تلك الحفلة من تصوير حيث أصبحت الهواتف الذكية وما يصاحبها من تطبيقات لنقل وتبادل الصور مجالا واسعا لنشر الصور وانتشارها في زمن قصير جدًا والتي قد تنتج عنها مشاكل اجتماعية تنغص الحياة الزوجية لاحقا.

لذا على المجتمع أن يتعاضد وعلى المؤسسات المجتمعيّة الرسمية والأهلية أن تتبنى المشاريع والأفكار التي تؤسس مجتمعا متماسكا ومتعاونا من خلال التنظيم والتقليل من مصاريف الأعراس والترشيد في أعداد أطعمة مآدب الأعراس، كما إنّ الأعراس الجماعيّة بحاجة إلى إدارة من قبل الشباب والجهات الأهلية، وهناك نماذج جميلة جدا لبعض الولايات والقرى العُمانية التي أتاحت المجال لكل الشباب المقبلين على الزواج للمشاركة في الأعراس الجماعية، والتي تزيد من تماسك المجتمع وتقليل مصاريف العرس ومن بين الولايات العمانية الرائدة في تنظيم الأعراس الجماعيّة ولاية صحم بمحافظة شمال الباطنة وبجهود أهلية حيث أعتادت في كل عام تنظيم عرس جماعي للشباب يشارك فيه عشرات العرسان، وسوف تقيم الولاية العرس الجماعي الثالث مساء يوم الجمعة المقبلة بمشاركة مائة وأحد عشر عريسا في تظاهرة مجتمعيّة رائعة جدا.

نسأل الله لجميع المقبلين على الزواج السعادة والهناء وأن يوفق كل القائمين في التيسير على الشباب وتحفيزهم على الزواج ونشد على يد المجتمع لنكون معًا لبناء مجتمع متماسك!

تعليق عبر الفيس بوك