قوة عُمان الناعمة.. المفهوم والأنماط والأهداف

ناصر أبو عون

Nasser_oon@yahoo.com

لقد أصبح العالم من أقصاه إلى أقصاه الآن مؤمنًا بدور سلطنة عُمان (سلطانًا، وشعبًا، وحكومةً) في الساحة الدولية وعلى صعيد التقارب الثقافي بين الشعوب، والمساهمة في دعم السلام العالمي، والدفاع عن قضايا الشعوب، ونجاحها في القيام بدور فاعل في تبريد المناطق الساخنة حول العالم. وإنَّ المتابع لدور عُمان عبر قنواتها الدبلوماسية، وعلاقاتها الاستراتيجية إقليميًا وعالميًا في مختلف القضايا الدولية وعلى الأصعدة كافة يمكنه التعرف على مكامن القوة الناعمة (Soft power) لسلطنة عمان في محيطها الإقليمي وعلاقاتها الدولية. ولكن ما مغزى أن تملك سلطنة عمان قوة ناعمة؟ وما الأعمال المخططة التي تشتمل عليها؟

إنَّ (القوة الناعمة) في الاصطلاح السياسي سجال عقلي وقيمي يهدف إلى التأثير على الرأي العام في داخل الدولة وخارجها.وهي مصطلح سياسي حديث العهد، إلا أنّ الفلاسفة والسياسيين القدماء تناولوه بتعابير متعددة من أهمها: (التأثير والإقناع والثقافة والنموذج) ويرى ميشيل فوكو، (أن القوة الناعمة تتضمن إجباراً وإلزاماً غير مباشرين، وتعتمد في ظهورها على القوة الخشنة أو الصلدة. وتقوم بأعمال تعجز القوة الصلدة عن القيام بها).

وأمام هذا الفيض من المخاطر التي تواجهها الأمة العربية وسلطنة عُمان جزء أصيل من هذا المكوِّن (الجغرافي والعقائدي والاقتصادي)؛ ونتيجة الأزمات التي تولّدها (النيوليبرالية - ولا سيما بعد محاولة فصل السياسة عن الاقتصاد وما ترتب عليه من تسارع متضمنات السوق وآلياته في اتجاه تزايد معدل نمو رأس المال وتراكمه بعيدا عن سياسات الرفاهية الاجتماعية - بدأت سلطنة عمان في مطلع السبعينيات من القرن العشرين وبقيادة السلطان قابوس المفدّى الاتجاه نحو خيار واحد هو (مشروع نهضوي جديد) يعتمد على بناء دولة مؤسسات عصرية؛ أداتُها (القوة الناعمة)، و(التواصل مع شعوب العالم كافة) ذراعُ سياستها الخارجية.

وربما يتساءل القارئ: ما ملامح مشروع القوة الناعمة العُمانية؟ وما هي محتوياته، وآلياته والنتائج المتوقعة منه؟وقبل الإجابة عن السؤال تفصيليا فإن الحالة السياسية الراهنة التي يعيشها العالم العربي استوجبت من سلطنة عُمان الانطلاق من قاعدة معرفية إنسانية وعلمية وتكنولوجية راسخة تتيح لها - طبقا لماكهايل (McHale) - قدرة هائلة "لاختيار مستقبلها الجماعي والفردي" ومن ثَمَّ بناء قوة ناعمة عمانية تقوم على أربعة موارد: (ثقافتها: (اللغة العربية، الأدب العُماني المعاصر والقديم، التراث الشعبي، نبذ الطائفية وإقرار التسامح الديني كمبدأ وطني)، (قيمها السياسية: (إقرار مبدأ الشورى، الانتخابات، بناء دولة المؤسسات، تمكين المرأة، تطبيق مبدأ سيادة القانون، المجتمع المدني)، (سلطة تستطيع تنفيذ الأحكام، وهذا ممكن أيضا لأن من سيملك السلطة هي قوة مشتركة مكونة من كل الجسم الاجتماعي)، (سياساتها الخارجية: (تحتفظ السلطنة بعلاقات صداقة مع دول العالم كافة، وبرؤية حيادية على المستوى الدولي، بعيدًا عن المغامرات السياسية والصراعات والتكتلات)، مضافًا إليها (سلطة أخلاقية) نشطة وفاعلة.

وانطلاقا من رغبة الحكومة العُمانية بقيادة السلطان قابوس المفدّى في التعاون مع محيطها الإقليمي والتمدد حضاريا على الساحة الدولية استطاعت أن تكسب صداقات غالبية الشعوب والكيانات الدولية في فترة قصيرة نسبيا لا تقارن بعمر الدولة الوليدة والحديثة نسبيا، والبحث المنهجي، والتقصي المعرفي عن أهم أنماط القوة الناعمة العُمانية عبر العديد من المواقف العُمانية في كثير من القضايا العالمية والإقليميةأمكننا رصد ثلاثة أنماط هي: الأول يتمثل في (نمط الجاذبية Attraction)، ويشير إلي جذب الانتباه بطريقة إيجابية مثل (العلاقات العُمانية الإيرانية)، أما النمط الثاني فيتمثل في (الإقناع Persuasion)، ويستخدم للتأثير في معتقدات الآخرين وردود أفعالهم، مثل العلاقات (العُمانية الأمريكية)، و(قوة الإقناع) لدى سلطنة عمان نجحت في أن تؤتي أكلها في العديد من المواقف نظرًا لتمتع حكومة السلطنة بـ(شرعية داخلية ودولية)، وإعلانها عن (أهدافها الإنمائية)، و(وضع الخطوط العريضة لسياساتها الخارجية)، واصطفاف الشعب حول (القيادة العُمانية ممثلة في السلطان قابوس) المتمتع (بشخصية كاريزمية). وأخيرا يأتي النمط الثالث من أنماط القوة الناعمة العُمانية ويسمى في الاصطلاح بـ(جدول الأعمال Agenda Setting) ويتمثل في امتلاك السلطنة (خطة خمسية) موازية لأولويات الدول الأخرى، بما يخدم أو يتفق مع أولويات السلطنة.

كما يمكننا اكتشاف الأهداف الاستراتيجية للقوة الناعمة العُمانية، ويستطيع المواطن البسيط أن يضع يده عليها في خطابات السلطان قابوس المفدّى التي يلقيها على شعبه في احتفالات العيد الوطني سنويا، والمناسبات العُمانية، بينما يستطيع الباحثون اقتفاء أثرها في مواقف السلطنة الإيجابية عبر العديد من القضايا الدولية ويمكننا هنا إيجازها في خمسة محاور: أمّا المحور الأول فيتعلّق بـ(تنشيط العلاقات (التاريخية/ الأبوية) للسلطنة في الدول التي كانت خاضعة للإمبراطورية العُمانية قديمًا في منطقة الخليج العربي وشرق إفريقيا والدول المطلة على المحيط الهندي وبحر عُمان)، أمّا المحور الثاني فيسعى(للتأكيد على استمرار السلطنة في انتهاجسياسة خارجية قائمة على (التوازن والاعتدال) في العلاقاتالدولية، من أجل حمايةمصالحها في العالم)، وثالث المحاور فيقوم على (استخدام الدراسات التاريخية، والسيسيو ثقافية) و(علاقات الصداقة)، و(التقارير الاستخبارية)، و(السبل الوقائية)في التعامل مع المشكلاتالمتوقعة قبل حصولها)، ورابع المحاور (فيؤكد على فكرةأن (أساليب الحروبالتقليدية) لم تعد مجدية،وأنه لابد من استخدام (منظومة القوة الناعمة) بديلا عن (منظومةالمواجهة المسلّحة بين الجيوشالتقليدية)، إضافةً إلى التحديد الواضح للتحديات،والمخاطر الخارجية التي قد تواجه السلطنة،كـ(التهديداتالاقتصادية، والمشكلاتالصحية، والبيئية).

لقد شهدت الفترة خلال العام 2012 وحتى نهاية 2013 مجموعة من المتغيرات الجديدة على مستوى النظام الدولي وما صاحبها وما يترتب عليها من تطورات محتملة وتداعيات وربما كانت هي الدوافع وراء التوجه نحو بناء استراتيجية عمانية جديدة قائمة على (القوة الناعمة) كوسيلة وآلية جديدة في المشروع النهضوي العماني ومن أهم هذه الدوافع:

أولا - اتجاه القوى الكبرى إلى تطوير أو إعادة بناء عناصر قوتها الاستراتيجية.

ثانيا - بدء الحديث عن تتغيّر خريطة إنتاج وتوزيع مصادر الطاقة (النفط والغاز) وبالتالي تغيّر خريطة المنتجين والمستهلكين وتغيّر العلاقة بينهما.

ثالثا - ازدياد الاهتمام بعلاج المشكلات المتعلقة ببنية النظام الدولي (القيادة - القواعد - التوجّه).

رابعًا - تطوير التحالفات الاستراتيجية القائمة والبدء في بناء تكتلات اقتصادية جديدة.

خامسًا - البحث عن سياسات جديدة لإدارة التفاعلات الدولية بنوعياتها المختلفة ومستوياتها وأبعادها المتعددة.

سادسًا - تفعيل دور بعض المؤسسات الدولية والإقليمية في نطاق النظام الدولي.

سابعًا - تنامي حدة التنافس والهجمات الإلكترونية المتبادلة بين القوى الكبرى.

ثامنًا - بروز الدول الفاشلة بوصفها من عناصر تهديد أمن واستقرار النظام الدولي.

تاسعًا - تصاعد المخاوف من تنامي قوى الإسلام السياسي واتساع نطاق تأثيرها على المستوى الدولي.

وتتعدد إيجابيات القوى الناعمة وتتنوع، وتترامى إلى أوسع مدى لكن الفائدة الأكبر من اعتماد هذه القوة يعتمد على (الدخول في شراكات اقتصادية مع الدول وربط مصالحها الاقتصادية بمصالحك فتغدو أحرص ما تكون على التوافق مع تطلعاتك) فالقوة الناعمة هي بمثابة سلطة شرعية تمنحك سلطانا وتأثيرا في الآخرين وحملهم على السمع والطاعة. وفق تعبير الباحث محمود حامد، بجريدة الأهرام اليومي، 25 مايو 2012م. وهنا يمكننا رصد أهم الإيجابيات والمنافع التي يمكن أن تجني السلطنة ثمارها من خلال اعتمادها لـ(رؤية استراتيجية جديدة للمشروع النهضوي العُماني) يعتمد على مفهوم القوى الناعمة. ومن أهم هذه الإيجابيات:

أولا - تستطيع سلطنة عمان الحصول على (قوة ناعمة) من خلال العلاقات الإيجابية مع الحلفاء والدعم الاقتصادي والتبادل الثقافي.

ثانيًا - تستطيع سلطنة عُمان من خلال القوى الناعمة تعزيز تأييدها ومصداقيتها لدى الرأي العام الإقليمي والعالمي.

ثالثا - تساعد القوى الناعمة السلطنة في الحصول على التأييد والتمدد في المجتمع الدولي من خلال انجذاب الآخرين للنموذج الذي تقدمه.

رابعًا - باستطاعة القوى الناعمة العمانية تحقيق شراكات اقتصادية ناجحة وخطط تنموية بعيدة المدى.

خامسًا - يمكن لسلطنة عُمان دعم اقتصادها الوطني ومشاريع التنمية المستدامة وجذب الاستثمارات.

من خلال استغلال الثقة التاريخية والروابط الوثيقة بينها وبين شعوب العالم.

سادسا - بوسع القوة الناعمة تحدي الإرهاب ومقاومته، وتجفيف منابعه ، والقضاء على أية قواعد فكرية تظهر له.

سابعًا -رأت سلطنة عُمان أنّ القوى الناعمة هي البديل الأفضل لمفهوم الحرب أو استخدام القوة المسلحة والخشنةوكلفتها الباهظة ماديا وبشريا.

تعليق عبر الفيس بوك