رقائق(28)

عبدالله الحجي

مَنْ ختم المولى سبحانه وتعالى حياته بالسعادة الأخروية، بعدما بشَّرته الملائكة بجنة عرضها السماوات والأرض، يتلهَّف للقدوم إلى قبره؛ لما ينتظره من نعيم، يود لو أنَّ أرجل الرجال تحث الخُطى، وتُسرع المسير، لا يوقفها شيء يعوقها عن تلبية مهمتها، وهو يترنم في جَذَلٍ وسُعُود "قدموني"، فما أشد لهفته، وما أبلغ شوقه، أشد شوقامن الظامي العشان في وقت الهجير إلى الماء الزلال، وأشد لهفة الغريق الذي شارف على الهلاك إلى نسمة الهواء.

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "إذا وُضِعت الجنازة، واحتملها الرجال على أعناقهم، فإن كانت صالحة قالت: قدموني، وإن كانت غير صالحة قالت: يا ويلها أين يذهبون بها، يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان، ولو سمعه صعق"؛ فرحماك يا ربي بنا رحماك، رحماك عفوا ما لنا إلاكا.

وأما من ختم الله حياته بشقاوة أخروية -والعياذ بالله- بعدما جاءته الملائكة تنذره بمقعده المشؤوم، فإنه يود أن لو لم يدخل قبره، ولم يزر رمسه، تلفحه ريح البؤس والشقاء، والتعاسة والازدراء، قد بلغ به اليأس مبلغه، خيَّم الحزن على قلبه أيما تخييم، وهو يصرخ بملء فيه من أعلى أعناق الرجال: "يا ويلها أين يذهبون بها"، حقا يا ويلها أين يذهبون بها، إنكم تذهبون بها إلى عذاب أليم، لا يفتَّر عنها ساعة، ولا هم ينصرون، لا ملجأ تلجأ إليه، ولا مجير تستجير به من عذاب الله "قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا" (الجن: 22).

وقد قال نبينا المختار -صلى الله عليه وسلم: "إنَّ أحدكم إذا مات، عُرِض عليه مقعد بالغداة والعشي، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، فيقال له: هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة".

تعليق عبر الفيس بوك