رقائق(24)

عبدالله الحجي

حبل حياة المرء قصير، وإن بدا للنّاس طوله، فالحياة مستمرة؛ إلا أنّ أهلها غير مستمرين، فكم ضاحك مسرور في عنفوان شبابه، وأوج قوته، وبين غمضة عين وانتباهتها ينقل من عالم الأحياء إلى عالم الأموات، وكم مؤمل ديمومة البقاء في هذه الفانية إلا أن تصرُّم الآجال كان أسرع إليه من تحقيق الآمال، فما أقصرها من حياة حين يُمسى المرء مع الأحياء، ويُصبح مع الأموات، أو يُصبح في شغله الشاغل، ويمسي بين أطباق الثرى ضجيعًا في لحده.

وكرُّ الليالي والأيام، وتعاقب الشهور والأعوام بهذه السرعة المشهودة، لتنبئ بقصر الحياة، فما أن نستقبل شهرا جديدا، إلا ويطالعنا شهر آخر، وما أن نصحو في يوم جديد، إلا وتشرق الشمس ليوم آخر، وما تتبابع الأعوام تتابعاً حثيثاً إلا رسالة عاجلة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، أن انتبه من رقد الغفلات، وجانب مزالق الزلات، فلا تدرى متى يفجؤك ريب المنون، أفي شبابك أم في هرمك، أفي صحتك أم في سقمك، أفي فراغك أم في شغلك، وكل ذلك كائن، والواقع على ذلك شهيد.

فلو تفكَّر متفكر، ورجع ببصره إلى الوراء كرتين، وقد شارف سن الأربعين، أو الخمسين، أو أقبل على الستين، والتفت إلى أعوامه التي أمضاها، لوجدها كطيف عابر، أو كظل زائل، ما إن استظل به،إلا وأشرقت الشمس بنور ربها فبددته، وسطعت عليه الأنوار فشتته.

فليستلهم العاقل الحاذق من هذه العبرة التعجيل في التوبة، والمسارعة إلى الأوبة، قبل قدوم المنية،واختتام العمل في حياته. فيا من اغتررت بطول الحياة، دينك يدعوك النجاة النجاة، لا للتسويف، ولا لتأخير الرجوع الصادق إلى المولى، فأدرك نفسك، قبل أن تدخل رمسك.

يا نفسُ توبي فإن الموتَقد حَانا *** واعصِ الهَوى فالهوى ما زالَ فتَّانَا

في كلِّ يومٍ لنا مَيْتُ نُشيِّعُه *** نَنسى بمصرعِه آثارَ موتَانَا

تعليق عبر الفيس بوك