مؤسسات التعليم .. المسير والمصير

د. هاشل سعد الغافري

أخيراً صدر قرار مجلس التعليم بإعادة فتح كلية للتربية بعد مرور سنوات على إغلاقها، وبعيداً عن رسائل التهاني والتبريكات التي يتبادلها المهتمون بقطاع التعليم، وبعيداً أيضاً عن الأسئلة الكثيرة والمتعددة التي تلقيتها ممن يرغبون في معرفة تفاصيل القرار ورغم أنهم يمارسون حقهم في السؤال والحصول على إجابة لكنني حقاً لا امتلك إجابات لأسئلتهم لأنني ببساطة شديدة لا أعرف عن ذاك القرار أكثر مما يعرفون. على أية حال بعيداً عن المشاعر والأحاسيس والاتجاهات والميول نقول إنّ القرار اعتراف ضمني وصريح بأنّ غلق كليات التربية لم يكن قراراً صحيحاً رغم أنّ هذا الاعتراف أخذ خمس سنوات حتى ظهر إلى حيز الوجود ولا أدري أسباب تأخيره هذه المدة من الزمن، مع أن مشكلة نقص المعلمين بدأت مؤشراتها بنهاية العام2010 ومنذ ذلك الحين ظل الميدان التربوي عاجزاً عن رتق الفتق الذي أحدثه قرار إلغاء كليات التربية الخمس في العام 2003/2004 وإلغاء الكلية السادسة في العام 2007 وتحويلها إلى تخصصات علمية أخرى.

نعم كان قرار إلغاء كلية التربية بالرستاق متسرعاً دون أن تكون له أسباب واضحة، وفي الوقت ذاته كانت له آثار جانبية كثيرة منها؛ إلغاء عدد من البرامج التربوية التي كلفت وقتاً وجهدا ومالاً، ومنها تلف آلاف الكتب في شتى فنون العلوم التربوية والنفسية ومنها الهدر في الكادر الأكاديمي العماني الذي لم يكن أمامه إلا أمران إما أن يُغير تخصصه أو يقوم بتدريس ما تيسر له من مقررات إن وجدت، يضاف إلى هذا وذاك أن نتائج البرامج الجديدة التي حلت محل البرامج التربوية لم تكن تحظى بمستوى كافٍ من الرضا نتيجة السرعة والتسارع في عملية الإحلال. ولست هنا في موضع تقييم تلك البرامج أو غيرها فهذا ليس محور حديثنا وإنما حديثنا يتعلق بالقرارات ذات الصلة بالتعليم، تلك القرارات التي لم تكن تستند لرؤية واضحة وإستراتيجية طويلة المدى خلال العقود الأربعة الماضية والأمثلة على ذلك كثيرة؛ منها برنامج معلم الحلقة الأولى الذي لم يتخرج فيه سوى دفعتين ثم أغلق وبرنامج المهارات الحياتية الذي تخرجت فيه دفعة واحدة ثم أغلق، وإلغاء نظام الاختبارات لتلاميذ الحلقة الأولى واستبدالها بنظام الترفيع التلقائي مع أنه توجد مطالبة مجتمعية بتطبيق نظام الاختبارات نتيجة ضعف المخرجات في تلك الحلقة، ونظام تقليص المرحلة الثانوية من ثلاث سنوات إلى سنتين ثم هناك توجه لإرجاعها لنظام الثلاث سنوات مرة أخرى، وإلغاء دائرة التربية الإسلامية التي كانت تحظى باهتمام خاص نظراً لحساسية المادة الشرعية وأثرها على المجتمع وتحولت بعد ذلك إلى أحد أقسام العلوم الإنسانية ثم عادت مؤخراً بقرار وزاري بمسمى دائرة نتيجة الأحداث والتقلبات التي فرضت نفسها. وفي السياق نفسه تم فتح ثماني كليات متوسطة لمنح دبلوم المعلمين لسنوات محدودة ثم ألغيت وحل محلها ست كليات تربية لمنح درجة البكالوريوس ثم ألغيت بعد عشر سنوات من إنشائها ثم ها هو مجلس التعليم يصدر قراراً بإعادة فتح كلية واحدة للتخصصات التربوية بالتزامن مع برنامج دبلوم التأهيل التربوي في بعض الجامعات والكليات الخاصة! ولا ندري لماذا التأهيل التربوي؟ هل من أجل الإسراع في سد العجز في أعداد المعلمين الذي بات أمراً واقعاً ولا مجال لإخفائه؟ أم أن الأمر متعلق بجبر الخواطر لبعض المؤسسات الخاصة !! مع العلم بأنّ المدارس تعاني الأمرّين من تعدد المخرجات فلديها مخرجات دبلوم ثانوية المعلمين والكليات المتوسطة ومروراً بمخرجات كليات التربية وانتهاء بمخرجات برامج إعداد المعلم من خارج السلطنة، ومع ذلك يأتي قرار مجلس التعليم ليزيد الطين بلة بفكرة التأهيل التربوي ليجعل وزارة التربية والتعليم تضرب أخماساً في أسداس لتعالج الفجوة الكبيرة بين تلك المخرجات التي وصل أداء بعضها إلى درجة "ضعيف". وبدلاً من التأهيل التربوي كان بالإمكان أن يقضي القرار بتحويل كلية التربية في جامعة السلطان قابوس إلى كلية دراسات تربوية تمنح درجات الماجستير والدكتوراه والدبلومات المهنية المتخصصة وفتح كليتين أو ثلاث كليات للتربية نستطيع من خلالها أن نغطي سوق العمل المحلي ثم السوق الخليجي خاصة وأن هناك طلباً متزايداً على المعلم العُماني لما يتميز به من كفايات علمية ومهنية وخصائص نفسية وخلقية. على كل حال من يقرأ تلك الأمثلة التي ذكرتها في سياق المقال يدرك تماماً أن القرارات المتعلقة بالتعليم تحتاج إلى أن تنطلق من رؤية ذات استراتيجية واضحة المعالم، وهناك مئات الرسائل العلمية التي درست الواقع ووصفته وحللته وخرجت بنتائج كان يمكن أن تساعد في تحديد المشكلات وتقديم مقترحات العلاج إلا أن تلك الدراسات لم تزل حبيسة الأدراج في أروقة مكتبة جامعة السلطان قابوس حتى عفا الزمن على الكثير منها وأصبحت من أخوات كان، وهذا مؤشر واضح لضعف مستوى أثر البحث العلمي ودوره في صناعة القرار وهو كذلك مؤشر لعدم وجود أرضية صلبة لتنمية البحث العلمي وتطويره، وهذا ما يفسر أيضاً كثرة الاستقالات للكوادر والخبرات في مؤسسات التعليم وانتقال الكثير منها إلى جهات أخرى مع أنها كلفت الميزانية العامة للدولة مبالغ طائلة في إعدادها وتأهيلها ثم بقرارات غير مدروسة يتم الاستغناء عن تلك الكوادر في غمضة عين وهو ما عبر عنه بعضهم صراحة في مقالاتهم. وعلى الرغم من أن هناك من يوجد تبريراً لذلك بحجة الأخذ بمبدأ النمو التتابعي وعدم القفز فوق المراحل والأخذ بالنظرية الواقعية وليس المثالية وحتى لو اتفقنا جدلا مع هذا الاتجاه فإنه لابد أن يكون كل ذلك وفق منظومة تعليمة صحيحة وشاملة. من هنا أتمنى أن تكون لدى مجلس التعليم استراتيجية متكاملة تقدم رؤية واضحة المعالم وفق جدول زمني مبني على الشراكة المجتمعية وقائم على مبدأ الصدق والمصداقية والثقة المتبادلة بين المؤسسة والمجتمع.

*أكاديمي تربوي

dhashil@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك