"اللمعة المرضية من أشعة الأباضية".. رسالة في ذكر مؤلفات المذهب الأباضي

 

فهد بن علي السعدي

تزخرُ عُمان -بل والعالم الإسلامي- بعلماء ومفكرين لهم باع طويل في نشر العلم والمعرفة من خلال مؤلفاتهم، ونقدم للقارئ اليوم كتابًا بعنوان "اللمعة المرضية من أشعة الأباضية".

وهو عبارة عن رسالة في ذكر مؤلفات المذهب الأباضي، مؤلفها نورالدين عبدالله بن حميد بن سلوم السالمي، فقيه مدقق، وإمام محقق، ومرجع عمان في عصره، وناظم للشعر. ولد ببلدة الحوقين من أعمال الرستاق ما بين 1283 و1284هـ، وتلقى العلم على يد الشيخ راشد بن سيف اللمكي، والشيخ عبدالله بن محمد الهاشمي، والشيخ ماجد بن خميس العبري. وفي سنة 1308هـ انتقل إلى الشرقية لما سمع عن الشيخ صالح بن علي الحارثي، واستوطن القابل، وتعلم على يديه مختلف العلوم من تفسير وأصول وغيرها. ولما ذاع صيت الإمام السالمي في الآفاق؛ صارت وفود الطلاب تأتي إليه من كل حدب وصوب، فتخرج على يديه أغلب علماء عمان في ذلك الوقت؛ كالإمامين سالم بن راشد الخروصي، ومحمد بن عبدالله الخليلي، والشيخ أبي مالك عامر بن خميس المالكي، والشيخ سعيد بن حمد الراشدي، والشيخ أبي زيد عبد الله بن محمد الريامي، وغيرهم كثير.

وترك العديد من الآثار العلمية في مختلف الفنون؛ منها: تحفة الأعيان بسيرة أهل عمان، وجوهر النظام في علمي الأديان والأحكام، وشرح الجامع الصحيح، ومعارج الآمال على مدارج الكمال، وطلعة الشمس...وغيرها كثير. توفي ليلة 18 من ربيع الأول 1332هـ.

وألَّف نور الدين "اللمعة المرضية من أشعة الأباضية" ردًّا على من قال: إن الأباضية حدثت بعد المذاهب الأربعة، وأن أتباعه لا تأليف لهم، يقول: "ولما انطمست أعلام المذهب من غالب البلاد كما أسلفنا ذكره اختفى على الأغبياء والجهلة ما نحن عليه من الحق الواضح، واشتغلوا بالسب والطعن، ولا يضر المسلمين شيءٌ من ذلك، فقد قيل لنبيهم عليه الصلاة والسلام أنه ساحرٌ أو مجنونٌ، وأنه كاهنٌ، وأنه شاعرٌ، فلم يضره من ذلك شيءٌ، بل زاده رفعةً عند ربه صلوات الله وسلامه عليه، ولنا فيه أسوةٌ حسنةٌ، وقد بلغني أن بعض المخالفين... يطعن في المذهب بقلة الكتب في زعمه، ولم يعلم المغرور أن هذا المذهب كان إلى هذه الفضيلة وغيرها من الفضائل أسبق". وقد انتهى السالمي من تأليفها بتاريخ 21 جمادى الأولى 1323هـ.

وتحدث السالمي في رسالته أولا عن نشأة المذهب الأباضي وانتشاره، ثم سرد قائمة طويلة بأكثر من 120 كتابًا من تأليف المذهب الأباضي سواء كانوا من المشارقة أم المغاربة، وتوقف عند القرن الحادي عشر الهجري مع كتاب "منهج الطالبين"؛ لأن المردود عليه زعم كثرة التأليف عند المتأخرين من الأباضية دون المتقدمين، وختم السالمي رسالته بذكر المراحل التي مر بها التأليف في صدر الإسلام.

واعتمد السالمي في تأليف رسالته على ذاكرته، وعلى فصلٍ كتبه البرادي في آخر كتابه "الجواهر المنتقاة" بعنوان: فصل في تقييد كُتُب أصحابنا، وعلى رسالة موجزة في معرفة كُتُب أهل عمان لمؤلفٍ مجهولٍ.

وتكمُن أهمية هذه الرسالة في كونها تسد ثغرةً في فنها، وذكرت جملة من الكتب والمؤلفات التي ما كان يُعرف شيء عنها، كما أعطت توصيفًا لبعض الكتب التي لا نجد لها أثرا الآن، وأكدت قدم المذهب الأباضي نشأة، وعراقته في التأليف.

لقيت رسالة السالمي قبولًا لدى العلماء والمؤرخين، فضمنها سعيد بن ناصر الغيثي كتابه "إيضاح التوحيد بنور التوحيد"، واعتنى بها سالم بن حمود السيابي، فوضع لها مقدمة تمهيدية، وقصيدة شعرية في تقريظها، وقال عنها: "فهي كاسمها لمعة تبهر البصر، وتدهش الفكر، وتعبر عن سالف المذهب الأباضي بما يشبه الجوهر والدرر، أبان فيها -رحمه الله- من معالم المذهب الأباضي ما تهتدي به العقول، وتبتهج به من أهل العلم الفحول؛ فهي لمعة من أشعة، وهي درة في حسنها غالية الثمن".

توجد للرسالة خمس عشرة نسخةٍ، أقدمها النسخة المحفوظة بدار المخطوطات العُمانية؛ برقم (1319)، وهي منسوخةٌ بتأريخ 7 ذي الحجة 1323هـ.

وقد اعتنى حسين بن أحمد بن محمد المسروري بتحقيق الرسالة في بحث قدمه للتخرج من معهد العلوم الشرعية/سلطنة عمان.

طُبِعت رسالة اللمعة المرضية طبعاتٍ عديدةً، أولاها في حياة المؤلف بالجزائر سنة 1326هـ/1908م، وآخرها بعناية سلطان بن مبارك الشيباني سنة 1435هـ/2014م.

تعليق عبر الفيس بوك