◄ بيوت الله تتيح لمرتاديها الراحة والسكينة
الرّؤية - مالك الهدابي
أكَّد زكي بن محمَّد الرمحي رئيس قسم المكتبة بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية، أنَّ الحياةَ مليئة بالكثير من الأعمال، والواجبات الضرورية، التي قد تشغل المرءَ منا، وتأخذ الكثير من وقته، وربما يصل بالبعض منا أن يؤخر صلاته لحين الانتهاء من عمل معين، كذلك فإن تلك الأعمال والواجبات تبعد المرء عن أهله وإخوانه، وأقاربه وجيرانه وأحبابه؛ وذلك عندما يصل إلى حد الانهماك والانخراط فيها، والجري وراءها لضمان عدم التأخر في إنجازها< باعتبارها من الضروريات التي لا تحتمل التأخير.
وقال: قد ننسى أو نتناسى أن الأعمال لا تنتهي ولا تتوقف، وهي في ديمومة مستمرة، وهذه إرادة الله سبحانه وتعالى في كونه وخلقه، فما تكاد تنهي عملاً معيناً، إلا بدا وظهر وبان لك عملٌ آخر، بل قد تكون بعض الأعمال متصلة ومترابطة، بحيث أن أداء بعضها يتطلب أداء البعض الآخر، أو ربما لا يمكن أداء عمل إلا بأداء الآخر، وبذلك يبقى الإنسان في حراك دائم لاهثاً جارياً ساعياً شاقاً ومكلفاً على نفسه وراء هذه الأعمال المتعددة والمختلفة في هذه الدنيا الفانية التي يفنى هو قبلها، تاركاً إياها وراحلاً عنها، وهذه حقيقة يجب أن ندركها حق الإدراك ونعلمها حق العلم والمعرفة.
وأردف: ودام الحال ذاك؛ فلعله من الأنسب بل والأوجب تلبية الدعوة الإلهية الكريمة من رب العزة والجلال بعدم تكليف النفس فوق طاقتها، ونحن على اعتقاد جازم ويقين تام بأنَّ الله تبارك وتعالى لا يريد لنا إلا الخير، وهو سبحانه كاتب ومقدر الخير ومريده، وكذا السنة النبوية الشريفة على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحيٌ يوحى عندما قال: "إن لبدنك عليك حقا..."، وكذا الحال بالاعتقاد الجازم واليقين التام أن الأرزاق مقسومة ومحددة سلفاً، فلمَ نكلف أنفسنا فوق طاقتها، ونبالغ في مواصلة الأعمال.
وأضاف: مع هذا التزاحم الشديد في الأعمال والاشتغال بها ينسى المرء منا نفسه، ويرهقها ويتعبها، وهو بعد ذلك يحتاج إلى راحة جسمانية بل ونفسية تلزمه لتمثل له الطاقة المحفزة، التي تساعده على بذل مزيد من الجد والاجتهاد في التحصيل الذي يسعى إليه، ولعل البعض منا قد يرى ان تلك الراحة تتحقق من خلال السفر والتمتع بملذات الدنيا، وهي قد تكون كذلك، إلا أن تلك الراحة المتحصلة من السفر إنما هي راحة مؤقتة زائلة غير دائمة، وكذلك قد تكلف بعض المبالغ المالية، وقد تكون متعبة بعض الشيء.
وتابع: إلا أنَّ ثمة راحة جسمانية ونفسية سهلة بسيطة ميسرة، ولا تكلف عناءً ولا مبالغ مالية، بل إنها دائمة، وتمنح الجسمَ طاقة ما بعدها طاقة، وراحة ما بعدها راحة، بل فوائدها تتعدى هذه الدنيا البسيطة الفانية لتمتد تلك الراحة إلى الدار الآخرة، إنها "خلوة مع الله في بيت الله"، ولله الحمد والمنة والفضل والثناء الحسن أن بيوت الله منتشرة وكثيرة، وهي تمثل متنفساً من خلاله ينال الإنسان الراحة بلقائه وقربه من الله.
واختتم قائلا: لقد مثَّل المسجد وأدى خلال العهد النبوي أكثر من دَور، فهو لم يقتصر على كونه داراً للعبادة، بل تعدى ذلك ليكون مقرًّا سياسيًّا من خلاله تدار شؤون الدولة الإسلامية، وفيه تتم اللقاءات والاجتماعات لرسم الخطط والسياسات العامة وكذا كان مقراً للحكم والقضاء والبت في الشؤون العامة، وكذلك غدا مقراً لمناقشة القضايا الاجتماعية والاقتصادية وغيرها، إضافة إلى ذلك كان مدرسة فيه تتم حلقات الذكر وتدريس وتحفيظ القرآن الكريم، ولعل ليس أدل على أهمية المسجد أكثر من أنه كان أهم وأول الأعمال التي قام بها الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- عندما وصل المدنية المنورة؛ فقد كان أول ما قام به أن بنى المسجد النبوي.