قد يلقى طفل لِتَوِّه استقام على سوقه حتفه، ويزور رمسه، ويوجد من البشر مَنْ يتمنى الموتة التي بها غادر الحياة؛ لعلمهم أنه في جنة عرضها السماوات واﻷرض؛ فالصبي مرفوع عنه القلم بنصِّ حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ يقول: "رُفع القلم عن ثلاث: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل".
فما أكرمها من موتة، وما أعظمها من منية حين يفد المرء إلى ربه طاهر السريرة، نقي الفطرة، لم يلطِّخ صحيفته بسواد الذنوب المهلكة، يُزف إلى ربه فرحا مسرورا، سعيدا محبورا.
فتسري في نفس ذلك البالغ تلك الأمنية الغالية؛ ليقينه أنه محاسب عند ربه عن كل ما اقترفته يداه في دنياه، والعبد المؤمن خائف وَجِل من أمر الآخرة؛ لأنه لا يدري أين ينتهي به مصيره المحتوم، هل إلى جنة عالية، قطوفها دانية، أم إلى نار حامية، خذوه فغلوه: "فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا وَيَصْلَى سَعِيرًا)(الانشقاق: 7-12).
والناظر إلى أجداث الأطفال، وهو يقلِّب طرفه بين تلك الرموس الدارسات، والأرماس الباليات، يقفز إلى ذهنه كم روضة من رياض الجنة هناك، قد سبقت إليهم سهام الحَين قبل أن يكونوا بالغين يافعين، عن أعمالهم محاسبين.
فلا غرو أن يتمنى مَنْ تمنى أن لو كان طيرا يطير، أو شجرة تُعضَد، أو لو أن أمه لم تلده؛ خوفا من الآخرة، وإشفاقا لما ينتظرهم من مصير مجهول، لا يعلمون حقيقته إلا بعد انقضاء مهلة العمل، فلا مجال للمراجعة، ولا سبيل للمسامحة، فكل أفضى لما قدَّم، والعاقبة للتقوى.