أيُّها النجباء، ما زلنا نواصل ذكر تفاسير العلماء حول قول الله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم"؛ لنعالج مرض "سوء الظن، والتشكيك في نيات الآخرين" المنتشر في مجتمعاتنا.
وأنبِّه إلى أنَّ إيرادي لكلام بعض المفسرين والعلماء لا يعني بالضرورة أنني أتفق مع جميع ما يذكرونه، وقد أنبه على بعض ذلك مما أرى أن الضرورة تقتضي التنبيه عليه؛ بشكل إجمالي أو تفصيلي بحسب مقتضى الحال.
أعزائي، جاء في تفسير "مدارك التنزيل" للنسفي: ("يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كَثِيراً مِّنَ الظن"، يقال: جنَّبه الشر إذا أبعده عنه، وحقيقته: جعله في جانب؛ فيعدى إلى مفعولين؛ قال اللهتعالى "وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ"، ومطاوعه: اجتنب الشر؛ فنقص مفعولا، والمأمور باجتنابه بعض الظن، وذلك البعض موصوف بالكثرة؛ ألا ترى إلى قوله: "إِنَّ بَعْضَ الظن إِثْمٌ"، قال الزجاج: هو ظنك بأهل الخير سوءاً. فأما أهل الفسق فلما أن نظن فيهم مثل الذي ظهر منهم. أو معناه: اجتناباً كثيراً أو احترزوا من الكثير ليقع التحرز عن البعض. والإثم الذنب الذي يستحق صاحبه العقاب، ومنه قيل لعقوبته الآثام فعال منه كالنكال والعذاب").
وجاء في "تفسير القرآن العظيم" لابن كثير "بتصرف": ("يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم". ويقول تعالىناهيا عباده المؤمنين عن كثير من الظن، وهو التهمة والتخون للأهل والأقارب والناس في غير محله؛ لأن بعض ذلك يكون إثما محضا، فليجتنب كثيرا منه احتياطا، ورُوي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه قال: ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك المسلم إلا خيرا، وأنت تجد لها في الخير محملا.
وقال أبو عبد الله بن ماجه: حدثنا أبو القاسم بن أبي ضمرة نصر بن محمد بن سليمان الحمصي، حدثنا أبي، حدثنا عبدالله بن أبي قيس النضري، حدثنا عبدالله بن عمر؛ قال: رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يطوف بالكعبة ويقول: "ما أطيبك وأطيب ريحك، ما أعظمك وأعظم حرمتك. والذي نفس محمد بيده، لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك، ماله ودمه، وأن يظن به إلا خير. تفرد به ابن ماجه من هذا الوجه.
وقال مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا، ولا تحسسوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا".
وقال سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقاطعوا، ولا تدابروا، ولا تباغضوا، ولا تحاسدوا، وكونوا عباد الله إخوانا، ولا يحل للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام".
وقال الطبراني: حدثنا محمد بن عبدالله القرمطي العدوي، حدثنا بكر بن عبد الوهاب المدني، حدثنا إسماعيل بن قيس الأنصاري، حدثني عبد الرحمن بن محمد بن أبي الرجال، عن أبيه، عن جده حارثة بن النعمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث لازمات لأمتي: الطيرة، والحسد وسوء الظن". فقال رجل: ما يذهبهن يا رسول الله ممن هن فيه؟ قال: "إذا حسدت فاستغفر الله، وإذا ظننت فلا تحقق، وإذا تطيرت فأمض"). ولكلامه تتمة إن شاء الله.
* أمين الصندوق بالجمعية العمانية للعناية بالقرآن الكريم (قيد التأسيس)