أَحِبَّ لغيرك ما تحب لنفسك

زينب بنت محمد الغريبية

في أحد أقوى برامج المقالب العربية المعروضة على أشهر القنوات العربية والمعد خصيصًا لشهر رمضان المبارك، حيث يتعرض فيهالذين يشركونهم في المقالب من المشاهير في حقلي التمثيل والغناء، والمقلب عبارة عن رحلة في طائرة لمجموعة قليلة من الأشخاص، تتعرض الطائرة فيه لمشكلة وتضطر للهبوط على الماء بعد مواقف صعبة داخل الطائرة، ومنها أن يُلقى أحد الركاب من الطائرة- وهو من ضمن المقلب وبالطبع هو مظلي متخصص- كان معظم من عرضت حلقاتهم حتى الآن بطبيعة الحال من العرب المسلمين إلا أنّإحدى الحلقات كانت لممثلة غربية غير مسلمة، لم يكن انفعالها صراخاً وشتماً لمؤدي المقلب كالبقية، إنما أكثر ما تأثرت به في موقفها بأنّها أول ما نزلت وهي تبكي خائفة، سألت عن الرجل الذي أُلقي من الطائرة، هل هو بخير؟ لم يسأل عنه أيٌّ ممن سبقوها، فلم يكن يهتم أي منهم إلا لنفسه، كم تأثرت من القيم التي وصلنا نحن العرب المسلمين إليها.

لم يهتم أي منهم إلا لنفسه وأنه وصل سالمًا، ولم يتذكروا أنّ فردا قد ألقي به، فما وضعه؟ وكثير من شاكلة من ظهروا على هذا البرنامج، ممن يتشدقون بكوننا مسلمين وما نملكه من قيم تفوق قيم من سوانا، نعم فالإسلام عظيم ويحمل من القيم ما يُسيِّر الحياة بأرقى الطرق، ويسعد البشرية، ولكننا اليوم نفقد بيننا الكثير من هذه القيم، وما أكثر ما ينادي الكثير بالعودة للقيم، والدعوة لها بمحاضرات وبرامج، ولكن حتى هم لا يلتزمون بكثير منها، وقد تعاملت مع الكثير منهم، وكأن الفرد لا يرى نفسه إلا ملتزمًا، ولكن المجتمع الذي يعيش فيه يجبره على ألا يلتزم ببعض القيم خشية من أن يظهر ضعيفا أو منبوذا أمام ما يجد من بشر يعيشون في زمان لا يسأل الواحد عن من جاوره ولا يهتم لشأنه.

حتى إن الواحد في هذه الزمن يفضل العزلة والبعد عن الحياة الاجتماعية خشية الانخراط في الناس وما يجلب له المشاكل، فالجيران بجنب بعضهم لا يدخل الجار على جاره، ولا يعرف ما بداخل بيته من ظروف، لا يعلم عن حاجته وما يحزنه ويفرحه! والموظفون في الدوائر الحكومية يخبئ كل منهم ما أنجز عن الآخر خشية الحسد، أو التآمر عليه، حتى الفرد في محيطه الاجتماعي يعيش بكل حذر ولا يعلم أحد بما ينجز هو وأبناؤه، خشية الحسد والغيرة وما يليهما من تبعات على حياته وحياة أبنائه.

يمر على الشخص عمل ليُقيِّمُه، وحينما يرى اسم من يعرفه، لا ينظر إلى جودة العمل ومدى الفرق الذي سيحدثه، بل عرقله لأنه لا يريد اسم فلان أن يظهر أو يكتمل صيته، وقد حدثني شخص قريب عن أنه دخل في مسابقة معروفة وذات قيمة كبيرة، وهو على يقين بأنه أفضل المتقدمين، ولكنه للأسف لم يفز بالجائزة رغم أن كل المؤشرات كانت لصالحه، وأن من حصل عليها لا يرقى لمستوى ما قدمه هو، ولكنه كان يظن أن ذلك قد يعود لاختلاف وجهات نظر المحكمين، إلا أنه تفاجأ بعد إعلان النتائج بوجود أحد معارفه في لجنة التحكيم، وأنه فيما بعد تم إبلاغه بأنه هو من عرقل وصول اسمه لمراحل تحكيم أعلى، وقد نجح في ذلك، لم يعد غريبًا علينا أن نسمع هذا فتغير القيم حتى ممن تعلموا وأصبحوا هم قادة الفكر والمجتمع بثقافتهم لا يزالون يمارسون مثل هذه السلوكيات التي تتنافى مع القيم بأشكال مختلفة من أجل المصالح الشخصية التي مهما تحققت ستنال مصيرا متعثرا فالنوايا السيئة لن تصل بصاحبها لأبعد من حدوده.

عند نشري لإحدى مجموعاتي القصصية للأطفال، واجهني هجوم من أحد الشخصيات التي ليس لها أي باع في المجال، سوى (طراطيش) كلام هنا وهناك، لم يكن كلاما علمياً ولم أعبأ به، إلا أنه أكد لي مدى سخف ما آل إليه مجتمعنا من تشويه لقيم المجتمع، ومحاولة إفساد وتشويه ما يصنع الآخر، خشية من أن يتفوق عليه، ومحاولة أبناء المجتمع الواحد إلغاء بعضهم من أجل بقائهم، فلا يسمح لأحد الاقتراب من الميدان الفلاني لأنه حكر على مجموعة معينة، حتى لو أن تلك المجموعة باتت تدور في نفس الدائرة وتحتاج إلى من ينتشلها لتغير المسار وتطوره للأفضل، فهم لا يرون مصلحة الميدان بقدر ما يهتمون إلى مصالح شخصية قد لا تقدم الجيد والمفيد.

فعندما لا نأبه لمن حولنا، ولا نشغل أنفسنا بالتغيير للأفضل، بل نضع نصب أعيننا على خطوات أقدامنا، ونعثر كل من يحاول مسايرتنا، أو المشي معنا، حتى ولو كان بمجال غير مجالنا فنحن بذلك لن نصل إلا لحدود المكان الذي تستطيع أقدامنا المشي إليه، لا يعلم هؤلاء البشر أن تلك القيم التي نزلت من السماء لتنظم الحياة على الأرض هي من ستحمل كل منهم لو تمسك بها إلى السماء، وأنه سيعيش أفضل مما يعيش عليه بوضعه الحالي حين يتجاهلها، وأن الإنسان لو فكر بأخيه الإنسان وأحب الخير له كحبه الخير لنفسه لأصبح المجمتع متحابا متراحما متلاحما، وأن المُثُلُ ليست صعبة المنال لو اجتمع البشر على تطبيق "أَحِبَّ لغيرك ما تحب لنفسك".

zainabalgharibi@yahoo.com

تعليق عبر الفيس بوك