"وما أبرِّئ نفسي"

أسماء القطيبي

"إنَّها مُؤامرة خارجية".. عبارة لا يكاد يخلو منها أي نقاش يقيمه الناس في وطننا العربي من شرقه إلى غربه -سواء كان الموضوع سياسيًّا، أو دينيًّا، أو إعلاميًّا، أو حتى اجتماعيًّا- وهي عبارة لا يتبعها قائلها غالبا بأي دليل، وكأنها مُسلَّمة لا تقبل الجدل. إنه تحليل سريع وجاهز للأحداث مهما اختلفت معطياتها وأسبابها. وتفسير الأمور على هذا النحو يمكن أن يكون مقبولا إذا صدر من احد المختصين الذين يملكون أدوات بحث يستطيعون بها ربط الأحداث، ومقارنها، وقراءة الأوضاع بالأدلة المثبتة. أما أن يصدر كحكم عام ومطلق فهو أمر يدعو للتعجب والتساؤل.

إنَّ الأحداث في بلداننا -السياسية منها خاصة- تتداخل فيها الأسباب الداخلية والخارجية بصورة معقدة، وتصبح التحليلات كالبضاعة ينتقي منها الشخص ما يقنعه أكثر، ومهما اجتهد المحللون في التفسير فللحقيقة أوجه عدة تتغير بتغير المصالح، لكن لو فرضنا جدلا أن أي حدث هو مكيدة خارجية خالصة، لم يتدخل فيها أي مؤثر عربي، سنقع في إشكالية أخرى، وهي أن ما من مكيدة خارجية يمكن أن تؤتي ثمارها دون أن تكون لها بيئة مناسبة في الداخل، تُهيَّأ لها الظروف سواء على مستوى السلطة والمؤسسات أو على مستوى المجتمعات، وإلا فإن مصيرها إلى الفشل.

ومن الطبيعي أن تكون القوى الاقتصادية والسياسية في العالم هي المسيطرة أو صاحبة التأثير الأكبر على أحداث العالم، لكن هذا لا يعني أن تكون مسؤولة عن كل الأحداث التي تقع فيه، فالبرامج الإعلامية التي تبث برامج مستوحاة من برامج غربية مثلا لم تكن لتستمر لولا كثرة المتابعين، مما يدل على القبول الإجتماعي لها، كما أن الثورات العربية لم تكن لتقوم لولا الإحتقان الشعبي في دول العالم العربي، ولعل دور العدو الخارجي فيها هو إستغلال الموقف وإنتهاز الفرص بذكاء.

... إنَّ نظرية المؤامرة أخذتْ أكثرَ من حجمها في عقلية المواطن العربي، حتى أصبح البعض مهووسا بهذه النظرية، فتراه يمشي بين الناس يحذرهم من أن القوم يأتمرون عليكم؛ فالبضاعة المستوردة من الغرب تحوي شعارات وعبارات تنال من عقيدة المسلمين، والعادات القديمة تتشابه مع مناسبات غربيه مما يجعلها تلقائيا لا تتناسب مع قيم المجتمع، والهواتف مراقبة من أجهزة أمن رفيعة المستوى، ولا أدري أي منطق هذا الذي يدفع احدهم إلى الأعتقاد أن عدوا سيتكفل بمراقبة أشخاص مغلوب على أمرهم، وليس لهم في ما يحدث من حولهم ناقة ولا جمل.

إلقاء اللوم على الغير، أمرٌ اعتاده الفرد العربي؛ فالشيطان هو المسؤول عن خطاياه، والمعلم هو المسؤول عن فشله الدراسي، وهكذا في كل أمور الحياة، هناك دوما من يقف في طريقه ليمنع تقدمه وسعيه الدؤوب للنجاح؛ لذا كان التذمُّر سمة متأصلة في شخصيته، فهو الضحية الذي تتألب عليه الظروف وسوء الحظ، وبإلقاء اللوم على العدو الخفي يعفي الشخص نفسه من المسؤولية؛ مما يجعله يخلُد إلى النوم كلَّ ليلة بضمير مرتاح وبال هانئ.

إنَّ أكثرَ ما يُثير الخوفَ من هذا التحليل أنه يُبرِّئ أصحابَ القرار في الوطن العربي من المسؤولية؛ فالمجرم عدوٌ خفيٌّ له شكل لا يُشبهنا، وله لغة لا نتحدثها، وطالما نستطيع تمييزه فأصحاب القرار والسلطة في الداخل مثل مرؤوسيهم هم الضحايا المغلوب عليهم، وهو عذر يعطي الإشارة الخضراء للطغاة في التمادي في الظلم والعدوان، بل إنهم أسعد ما يكونون بهذا الرأي الذي يجعل الناس في حالة من التغييب والغفلة، ولعلهم يسعون للترويج له ونشره، حفاظا على مصالحهم وكراسيهم.

... إنَّ المؤامرة -برأيي- هي مؤامرة على عقل المواطن العربي بالدرجة الأولى تمنعه من التفكير بعقلانية ومن الحكم على الأمور كما هي، وهي شماعة ثابتة يعلق عليها غضبه وقهره من الأوضاع السيئة التي يعيشها. ولأنني لا أنفي التدخل الخارجي، خاصة وأننا في عصر الشركات العابرة للحدود والمصالح المشتركة والمتداخلة، فإني أقترح -عزيزي القارئ- أن نكف عن ترديد عبارات من قبيل مؤامرة خارجية، وعدو أجنبي، وتدخل غربي، ونعيد دراسة الواقع الذي نعيشه، المؤثرات والظواهر والأحداث الصغيرة المتراكمه لنكون على وعي بما يدور حولنا، حينها ستكون آراؤنا أكثر صدقا ومنطقية، وسنبدأ في التفكير بالتغيير الداخلي الذي نحن بحاجته.

Asmaalqutibi@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك