سمية البوسعيدية: الرؤية الثاقبة تجعل للحياة معنى آخر ممزوجا بمذاق يماني خالص

الرؤية - مالك الهدابي

أكدت الباحثة سمية البوسعيديةأن الإنسان مهما حاول أن يزكي نفسه ويرقى بها في درجات الأولياء والأصفياء وهو لا يعرف الطريق الصحيحفسيتخبط ذات اليمين وذات الشمال، في الشرق تارة وفي الغرب أخرى .. وقالت : هل سمعتم بمسافر يبحث عن وجهة معينة دون أن يقصد مرشدا يرشده أو آلة تدله؟وقالت: قد يصل نعم، وهو مجرد احتمال ولكن بعد أن يكون قد أضاع كثيرا من وقته، فيصل متأخرا أوقد لا يصل أصلا ..

وأضافت:ورؤيتنا هنا التي أردت أن أوردها وأشير إليها، هي رؤية مميزة لأنّ القليل فقط من يهتدي إليها، والرؤية تختلف عن النظر، فقد ينظر ولا يرى شيئا، فيقال نظر إليه فلم يره، ولا يقال رآه فلم يره، فهي الإدراك بحاسة البصر، وهي حاسة موجودة لدى المبصرين من الخلق .. فالرؤية في اللغة:النظر بالعين وبالقلب .

وزادت: لذا فإن رؤيتنا التي نعنيها هنا ليست تلك الرؤية المادية البحتة، التي تدرك الماديات والمحسوسات فقط، بل هي رؤية تخترق المحسوسات لتصل للمعاني الروحية،وهذه هي الرؤية، رؤية المتأملين من الخلق التي تجعل للحياة معنى آخراممزوجا بمذاق الأنس بالله وتجعل من الموقف أو الحدث معاني كثيرة ، فما أميزها من رؤية يتعلم فيها الإنسان من الصغير والكبير، من العربي والأعجمي، من النبات والحيوان، بل ليس بمستغرب إن قلنا إنه يتعلم حتى من الجمادات.وقد يرى البعض الأمر غريبا،إلا أنه ألم يضرب لنا القرآن الكريم مثلا لذلك في قصة ابني آدم ـ عليه السلام ـ حين تعلم قابيل من الغراب كيف يواري سوءة أخيه ؟؟ ألم يتعلم ذلك من حيوان ؟ ( قَالَ يَا وَيْلَتَى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31) المائدة

وقالتالبوسعيدية :وهذا أعرابي على الرغم من بساطة تفكيره وهو يعيش في بيئة طغت عليها البساطة في كل شيء إلا أنه لم يفته اقتناص ذلك من الطبيعة حولهحين سئل : بم عرفت ربك؟ فقال: الأثر يدل على المسير، والبَعْرَة تدل على البعير، فسماء ذات أبراجٍ وأرض ذات فجاج وبحارٌ ذات أمواج ألا تدل على السميع البصير؟ الجواب: بلى والله ، وتزيد إيماننا ويقيننا ،ولكن الإنسان لن يهتدي لذلك أبدا ولن يصل بل يبقى تحت ستار الغفلة إن اغتر بنفسه وظن أنه يعلم الكثير ، قال ابن المبارك : " لا يزال المرء عالمًا ما طلب العلم ، فإذا ظنّ أنَّه قد علم فقد جهل "

وأضافت :هذه هي التزكية الحقيقية التي يدرك فيها الإنسان أنه ضعيف قاصر محتاج ليتعلم من كل شيء حوله ، فالله سبحانه وتعالى يقول : {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [32: النجم]

ويقول في آية أخرى : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10)

نعم سينال الفلاح منيسعى ويجاهد لتزكية نفسه للترقي بها في مصاف الأولياء والأصفياء ، ويجعل من التأمل والتفكر واقتناص العبر وسيلة توصله لذلك

وتابعت:ولنا مع السلف أعظم الروائع في تجسيد هذا الأمر، فمما يروى عنالشيخ سعيد بن حمد الراشدي أنه خرجمن المسجد بعد صلاة العشاء ذاهباً إلى بيته، فمر عليه أحدُ مَن يعرفه، وهو واقف بين طريقين، قال ذلك الرجل: فما كلمته ودخلتُ بيتي فنمت، وخرجت لصلاة الصبح، فوجدت الشيخ واقفاً في مكانه، فقلت له: «ما برحتَ من هنا؟ أو ذهبتَ ورجعتَ تقف مرة أخرى؟ » قال: «لِمَ السؤال؟ »، قلتُ: «مررتُ عليك بعد العشاء وأنت واقف، وجئتُ لأصلي الصبح وأنت مكانك»، قال: «ما شعرتُ بمرور الليل، وإني لما مررتُ على مفترق هاتين الطريقين، استحضرتُ قول الله تعالى(فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ([2]، فقلتُ في نفسي: ليت شعري، في أي الطريقين سأكون؟ فما زلتُ أفكر في هذا حتى هذه الساعة». هذا لسان حالهم ، ولسان حالنا يقول : ليت شعري ، من كأمثال هؤلاء؟

واختتمت قائلة:هي رسائل من الله يرسلها و لا يعيها إلا المتأملون من الخلقوكم مرت علينا من مواقف أمثال هذا الموقف ، فهل استفدنا منها أو وعيناها على الأقل ؟قد نمر ونرى عصفورا ملقى على الأرض ميتا أو قطة دهستها سيارةوغيرها من مشاهد قد تكون رسائل تذكرنا بأن ( كل من عليها فان )وأن هادم اللذات لاشك آت ، وللأسف تمرعلينا دون أن تحرك فينا ساكنا ،وقد عاب الله-جل جلاله-على الكفار لعدم اكتراثهم بالآيات البيِّنات، رغم وضوحها ، يقول عزوجل : ( وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ[5].

فآيات الله المبثوثة في الآفاق أكثر من أن تعد أو تحصى ، فهلا أمعنا الرؤية؟

لله في الآفاق آيات لعل ** أقلـــــــــها هو ما إلــيه هـــــداك

و الكون مشحون بأسرار ** إذا حاولت تفسيرا لها أعــــيـاك

تعليق عبر الفيس بوك